تشریع الوقف مظهر عظیم من مظاهر التوجه الإسلامی الثقافی والحضاری. وکان له على مرّ التاریخ مکانة مرموقة فی إیران. والتوجه الصحیح فی مشروع الوقف یمکن أن یؤدی خدمات کبرى على الصعید الوطنی. تاریخ إیران الإسلام شهد إقامة مؤسسات کبرى من أموال الوقف کالمدارس والمستشفیات ودور الأیتام، وکان له قبل الإسلام أیضًا عطاؤه فی إیران، ولا یزال هذا التقلید موجودًا بین الزرادشتیین الإیرانیین. وفی هذا المقال نلقی نظرة إجمالیة على الوقف فی ظل الدول المستقلة فی إیران...
تشریع الوقف مظهر عظیم من مظاهر التوجه الإسلامی الثقافی والحضاری. وکان له على مرّ التاریخ مکانة مرموقة فی إیران. والتوجه الصحیح فی مشروع الوقف یمکن أن یؤدی خدمات کبرى على الصعید الوطنی. تاریخ إیران الإسلام شهد إقامة مؤسسات کبرى من أموال الوقف کالمدارس والمستشفیات ودور الأیتام، وکان له قبل الإسلام أیضًا عطاؤه فی إیران، ولا یزال هذا التقلید موجودًا بین الزرادشتیین الإیرانیین. وفی هذا المقال نلقی نظرة إجمالیة على الوقف فی ظل الدول المستقلة فی إیران.
الوقف من التشریعات الهامة فی منهج الحضارة الإسلامیة، وله فی إیران بشکل خاص مکانة هامة.ویتجه الوقف إلى توسیع نطاق الخدمات العامة ومساهمة المجتمع المدنی، وکان له فی تاریخ إیران آثاره الملموسة على الحیاة الاجتماعیة والاقتصادیة، وفی تنظیم روح المواساة والخدمة الاجتماعیة عن طریق إنشاء المستشفیات والمدارس والمکتبات والأخذ بید المحتاجین. ویلاحظ أن التوجه نحو الوقف ینطلق من رغبة إنسانیة نحو تغلیب المنفعة العامة على المنفعة الخاصة، ومن هنا نرى أن ظاهرة الوقف لا تقتصر على الساحة الإسلامیة، فعند الزرادشتیین فی إیران موقوفات تعود إلى ما قبل الإسلام نرى بقایاها فی مدینة یزد وکرمان. والمقال یقتصر على إلقاء الضوء على الوقف فی عصر الحکومات المستقلة بإیران بعد الإسلام.
مقدمة:
الوقف عند الفقهاء وهکذا فی القانون المدنی الإیرانی: تحبیس الأصل وإطلاق المنفعة. والأصل فیه قول رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: «حَبَسَ الأصل وسبّل الثمرة». وفی القانون المدنی أیضًا: حبس العین وتسبیل الثمرة حسب نیة الواقف (سلیمی فر، 1370: 7) الإیرانیون على مرّ العصور مثل سائر الشعوب الإسلامیة اهتموا بالوقف وتطویره.
السامانیون أول حکومة إیرانیة مستقلة أسست دیوان الأوقاف فی القرن الرابع، ومهمته متابعة أمور المساجد والأراضی الموقوفة. وقبل ذلک کانت مهمة الأوقاف من مسؤولیات قضاة تلک الدولة.
یمکن أن نستنتج من تأسیس دیوان الأوقاف أن الموقوفات کانت کثیرة فی تلک الدولة. ولما کانت أکثر الموقوفات فی هذه الدولة من الأراضی الزراعیة، فإن الموقوفات حظیت باهتمام بالغ لاعتماد عائدات الدولة على الزراعة.
بشکل عام کانت أمور البلاد فی عصر السامانیین تُدار من قِبل مؤسستین: درگاره (البلاط) والدیوان (الوزارة)، ورآسة البلاط یتولاها الحاجب، ویرأس الدیوان الوزیر أو الخواجة الکبیر. عاصمة السامانیین کانت تضم عشرة وزارات أو دواوین.
دیوان الأوقاف الذی یتولاه أحدکبار الفقهاء کان یشرف على الأموال والأملاک الموقوفة وعلى عائداتها، وعلى الاستفادة من هذه العائدات للأمور العامة المنفعة مثل تأسیس وترمیم المساجد والمدارس والمستشفیات والمکتبات وإطعام الفقراء وأمثالها (ر.ن. فرای، 1380ش: 135 - 37 ، ج 4).
فی عصر الاستیلاء السلجوقی على إیران
فی المصادر التاریخیة یتکرر ذکر أوقاف المدارس والمساجد والرباطات، ولکن لم یرد ذکر للأوقاف الخاصة الخیریة. لعل مثل هذه الأوقاف لم تکن موجودة أو لم یکن هناک شعور بالحاجة إلى وقف الأملاک الخاصة، کی لا تتعرض لمصادرة الجهاز الحاکم.
ورد فی الوثائق أن نظام الملک وزیر السلاجقة أوقف کثیرًا من الأرضی على المدارس والمساجد والرباطات . ولا ندری أهی من أمواله الخاصة أم من أراضی الدیوان الذی کان تحت إشرافه. لکنه یتبین من لائحة الدفاع التی قدمها أمام اتهام أبی المحاسن بن کمال الدولة أن عددًا من هذه الأوقاف کانت من أموال الدولة.
لم تکن عملیة الوقف فی هذه الدولة مقتصرة على کبار المسؤولین بل إن الوثائق تشیر إلى أن الأمراء کانوا أیضًا یشارکون فی ذلک (آن لمبتن،1386ش: و163 – 164) .
نظرًا لأهمیة جهاز الوقف کان بین أجهزة الدولة ما یسمى بحکومة الأوقاف التی یمکن اعتبارها تابعة لدیوان القضاة. هذاالجهاز کان تحت اشراف مباشر لقاضی القضاة، لکن رئیس الأوقاف الذی یحمل اسم حاکم الأوقاف کان من رجال الدین، ویعینه السلطان بموجب فرمان خاص، یؤید هذا الفرمان (أو المرسوم) الدیوان الکبیر. واجب هذا الدیوان الإشراف على وثائق الوقف والموقوفات والفصل فی الدعاوى والشکاوى المتعلقة بها. (بیانی 1381ش:2، ج 2).
بعد هجوم فی العصر المغولی على إیران وما ارتکبوه من مذابح ودمار نُهبت أموال الموقوفات المنقولة منها وغیر المنقولة واستولى الحکام على الأوقاف، وکاد أن لا یبقى من الوقف إلا اسمه. ولکن بعد تأسیس حکومة الایلخانیین بید هولاکو وحصول الخواجة نصیر الدین الطوسی على مکانة مرموقة فیها، عمد الخواجة إلى تشکیل جهاز غیر رسمی للأوقاف ووزّع أفراد هذا الجهاز على مختلف الأصقاع الإیرانیة ونظّم الموقوفات فی دفاتر خاصة، کی یتم التعرف على الموقوفات من أراضٍ زراعیة وحمامات ودکاکین وخانات ومعامل صناعیة وأنهر وطواحین... وتسجیلها وضبطها. وبهذا الشکل تم تنظیم أمور الأوقاف حتى زمان وفاته (شیرازی، 1369ش: 92) غیر أن الأمر لم یبق على هذه الصورة بعده على أثر النزاع بین رجال الدین وأصحاب الاقطاعیات حول الأملاک الموقوفة. إذ تحرک الاقطاعیون للاستیلاء على الموقوفات وکانت النتیجة لصالحهم.
أضف إلى ما تقدم فإن أصحاب الدواوین الإیرانیین الذین تهافتوا على المال والمتاع، ورجال الدین الذین أعمتهم أموال الوقف المتدفقة علیهم لم یکونوا فی هذا العصر أقل نهبًا من المغول. وأفضل وثیقة تحدثنا عن هذا الوضع منظومة «کارنامه وقف» = دفتر أعمال الوقف، التی نظمها الشاعر المهموم تاج الدین نسائی الذی أوضح لنا فیها کیف سارت أمور الأوقاف وکیف عبث بها العابثون (سنائی، 1354ش: 6 – 20 ، ج 7).
من دلائل اتساع نطاق الأوقاف فی القرنین السابع والثامن الهجریین (الثالث عشر والرابع عشر المیلادیین) عدم استقرار الأمن بسبب سلوک الإیلخانیین تجاه ملکیة الأراضی. الملاک أرادوا التخلص من اغتصاب أراضیهم على ید الجهاز الحاکم بتحویلها إلى موقوفات. فالأرض الموقوفة تخرج من نفوذ سیطرة الدولة. کما کان هناک دافع سیاسی أیضًا فی عملیة الوقف وهو حصول الواقفین على مکانة اجتماعیة. والواقع أن المستفیدین من عملیة الوقف کانوا بالدرجة الأولى علماء الدین،سواء عن طریق الاستثمار المباشر للموقوفات أو عن طریق التولیة والإشراف علیها. غیر أنا یجب أن لا نغفل عن دافع الإحسان والقُربة إلى الله تعالى فی مثل هذه الأعمال (لمبتن 1362ش : 58) .
مکتبة القبة الغزانیة (702هـ) التی کانت جزءًا من أموال الوقف استهدفت جمع کتب الولایات، ولکن یبدو أن القصد منها کان حفظ هذه الکتب، وهناک وثائق دالة على إرسال قوائم بحسابات الضرائب والأراضی الموقوفة للاحتفاظ بها فی هذه المکتبة (انصاری 1365ش : 107).
مع هجوم المغول على إیران حدث تحوّل فی وضع الأراضی الموقوفة فهم لدى اکتساحهم البلاد لم یغتصبوا الموقوفات ، وإذا کان فی الموقوفات تصدّع فهو من سوء تصرف وإدارة المتولین (جوینی 1355ش: 11) .منذ أوائل حکومة الایلخانیین تأسس دیوان للأوقاف. وحین ولّى هولاکو الخواجة نصیر الدین الطوسی على مرصد مراغة، ولاه أیضًا على دیوان الأوقاف .وفی أواخر عصر الإیلخانیین یظهر أن إدارة الاوقاف کانت تحت إشراف قاضی الممالک، والطریقة التقلیدیة لدیوان الأوقاف التی کانت قد توقفت عادت إلى الحیاة ثانیة.
الخواجة نصیر الدین الطوسی استفاد من مکانته الخاصة فی جهاز الإیلخانیین فنظم جهاز الأوقاف ودفاتره واستجاز خان المغول لإنفاق عائدات الأوقاف على الشؤون الثقافیة ومنها مرصد مراغة ومکتبته. مرصد مراغة کان متحفًا للفنون الإیرانیة، وعمل على حفظ هذه الفنون وإحیائها وتطویرها بالاستعانة بالفنانین والعلماء من الروم والصین.
بلغت عظمة الأوقاف والاستفادة منها ثقافیًا وعلمیًا ذروتها فی هذا العصر على ید رجلین کبیرین هما: الخواجة نصیر الدین الطوسی (ت 672هـ) والخواجة رشید الدین فضل الله الهمدانی (ت 718هـ)، وکان لهما الفضل فی تثقیف وتحضیر التتار البعیدین عن الثقافة والحضارة.
الخواجة نصیر الدین الطوسی أسس مکتبة موقوفة تضم 400 ألف مجلد لمن بقی من العلماء،وأسس مرصد مراغة.
والخواجة رشید الدین فضل الله الهمدانی بإقامة مبنى فرید باسم (ربع رشیدی) یکون قد أسس جامعة فریدة عالمیة. (للاطلاع أکثر راجع: مینوی وأفشار 1356ش .ونصر 1350ش: 3- 6. وبروشسکی 1365ش: 21 – 22).
فی العصر الصفوی
فی العصر الصفوی کانت أسس الاقتصاد تقوم على الزراعة والرعی. والسکان فی إیران کانوا غالبًا مزارعین ومن سکان القرى، وکانت الأراضی تنقسم على أربعة أقسام: أراضی الممالک أو الولایات، والأراضی الخالصة، والموقوفات أو أراضی المؤسسات الدینیة والأماکن المقدسة ، وأملاک عامة الناس.
الشاه عباس الأول من أجل أن یبعد عنه شبهة اغتصاب الأراضی. قرر أن یبدل أملاکه الشخصیة إلى موقوفات (فلسفی 1369ش: 1999، ج3).
الصفویون أوقفوا أملاکًا واسعة على أغراض خیریة خاصة على البقاع المبارکة وحرم الإمام الرضا فی مدینة مشهد وحرم السیدة فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر فی مدینة قم ، وازدادت مثل هذه الموقوفات فی عصر الشاه عباس الأول. (نوایی وغفاری فرد، 1381ش: 154) وکان على رأس الجهاز المالی «مستوفی الممالک»، وبسب اتساع الوقف فی أواخر العصر الصفوی وجد منصب «مستوفی موقوفات الممالک» (مینورسکی، سازمان اداری حکومت صفوی، ترجمه مسعود رجب نیا 1324ش، تهران، 342).
وکان الذی یتولى أمور الأوقاف منذ بدایة العصر الصفوی هو من یحمل منصب (الصدر) وکان هذا من المجتهدین المرموقین، یذکر «تاورنیه» أن عنوان الصدر کان یمثل الشخصیة الدینیة الأولى فی إیران وهو رئیس الشریعة والقوانین (جعفریان، 1370ش: 146).
الشاه سلیمان الصفوی من أجل ضبط أمور الأوقاف وعوائدها قسّم مقام الصدر على قسمین: صدر الخاصة، وصدر الممالک. الأول مختص بـإدارة موقوفات الأسرة المالکة، والثانی سائر الموقوفات (تاورنیه، م.ن: 588). وشاردن یذکر أن مقام صدر الخاصة مقدّم على مقام صدر العامة.(شاردن 1330ش: 146).
یُذکر أن الشاه عباس الصفوی أمر بأن تکون کل أملاکه وکل ما عنده حتى الخاتم فی إصبعه موقوفة شرط أن تکون تحت إشراف من عینهم من الشخصیات .وقد عین الشاه عباس الشیخ بهاء الدین العاملی کاتبًا لهذه الموقوفات ، وأوکل الإشراف علیها إلى میر محمد باقر الداماد، والملا محسن الفیض الکاشانی، والملا عبدالله الشوشتری، والشیخ لطف الله العاملی والمیرزا رضی الوزیر وجیمعهم کانوا من العلماء الکبار ومراجع الشیعة فی زمانهم (هدایت. م.ن: 100).
أملاک الشاه عباس التی کانت تضم الأریاف والخانات والمحلات الکبرى والدکاکین والحمامات وأمثالها قد قسّمها إلى أربعة عشر قسمًا، لکل قسم خدمات معلومة. ویلاحظ فی وثائق الوقف أن الواقفین نصّوا على أن قسمًا من عائدات الوقف تخصص لترمیم الموقوفات وصیانتها،وکان ذلک وراء بقاء هذه الأبنیة الأثریة إلى یومنا هذا.
وتابع الشاه عباس فی هذا العمل الخیری الوزراء والأعیان والتجار وکان ذلک مبعث اتساع نطاق الوقف وازدیاد أهمیته.
کما تنافس فی هذا العصر کبار الشخصیات لإغداق المستلزمات المادیة على المدارس التی کانت قائمة فی المساجد، وإیقاف الأملاک علیها. لذلک ازداد عدد طلاب العلم فی هذا العصر، إذ کان کل طالب یمتلک غرفة خاصة وفیها ما یحتاجة لقضاء أموره الیومیة، ولا تکلفه المعیشة إلا قلیلا (لمزید من الاطلاع راجع: جعفریان، مصدر مذکور 76 – 77).
فی العصر القاجاری
فی اواخر عصر ناصر الدین شاه القاجاری (1264 – 1313هـ) حدث انفصال بین القطاع الدینی والجهاز الحاکم، وکان نصیب التربیة والتعلیم من هذا التصدع أکثر من غیره.مدرسة (خان مروی) التی هی المدرسة الأولى التی أنشئت فی العصر القاجاری من موقوفات المیرزا حسین خان مروی لدراسة العلوم الحکمیة أصبحت خندقًا للنزاع بین المؤیدین والمعارضین للحرکة الدستوریة، وکل فریق یتهم الآخر باغتصاب موقوفات المدرسة. (م.ن 86 – 388 وانظر أیضًا، مهدوی 1357ش : 109) وعلى أثر ذلک شاعت الخرافات والأوهام والسحر والشعوذة لتحلّ محل العلم والدین الحقیقی (حائری 1367ش: 157، دولت آبادی، 1362ش: 5 – 344، ج 1) وکان أیضًا على أثر ذلک ضیاع الموقوفات وانخفاض رغبة الناس فی وقف أموالهم. اللورد کرزن البریطانی الذی زار إیران فی أواخر عصر ناصر الدین شاه تلمّس عدم رغبة الناس فی الانخراط بالشؤون العامة بسبب شیوع الفوضى فی البلاد (کرزن، 1373ش: 584، ج 1).
بالبحث بین الوثائق والمستندات لموقوفات هذا العصر فی عدد من المحافظات فی أرشیف منظمة الاوقاف لم نعثر الاّ على ستة عشر وثیقة وقفیة بخط (سنکلجی) مصادق علیها بخاتم أو خاتمین (رضایی، 1385ش: 57 و 62).
لم تتجه الموقوفات فی هذا العصر نحو إقامة مشاریع کبیرة مثل المدارس والمساجد، بل اتجهت نحو مساعدة الفقراء أوإقامة مجالس العزاء .مثل هذه الموقافات تعطینا معلومات عن الوضع الاقتصادی والثقافی والاجتماعی لتلک المرحلة.من الملفت للنظر أن عددًا کبیرًا من هذه الموقوفات الصغیرة لأهالی طهران کانت من قِبل النساء (ورنر 1378ش: 115 – 118)، وأن إدارتها کانت على ید النساء أنفسهنّ، وهذا یدلّ على تمتع المرأة بحق الملکیة وحق الوقف والإشراف على الموقوفة.
الإحصائیات تشیر إلى أن ما یقارب من 15 بالمائة من الموقوفات کانت باسم النساء، ومن الملاحظ أن هذه النسبة فی الامبراطوریة العثمانیة کما تذکر السیدة هایاشی کانت تبلغ 42 بالمائة من مجموع 1546 موقوفة.
عند إعادة هیکلیة الجهاز الحاکم سنة 1858م، أوکلت الأمور بدل الصدر الاعظم إلى ستة وزراء، کان أحد هؤلاء الوزراء وزیرًا لشؤون الأوقاف، وأصبحت هذه الوزارة مشرفة على الموقوفات وعوائدها وکیفیة إنفاق هذه العائدات. فی سنة 1863م وضعت قوانین جدیدة لهذه الوزارة، وأصبح موظفو المحافظات مسؤولین عن رفع قوائم بحسابات الأوقاف بعد المصادقة علیها إلى وزارة الأوقاف. وإذا قصّروا فی ذلک فسیقصون من مناصبهم. (روزنامه دولت علیه إیران 1279ش: 3) هذه القرارات کانت تحدّ من قدرة علماء الدین على الإشراف على الموقوفات ومن هنا أثارت هواجسهم ومخاوفهم. وتوفّرت لدى العلماء کما عند سائر فئات الشعب فکرة ضرورة الإصلاح کما تذکر صحیفة (وقائع اتفاقیة 1270ش: 4).
فی العصر البهلوی
فی العصر البهلوی تعرضت کثیر من الموقوفات للتخریب أو سُحبت عنها وقفیتها ،لکن أمور الوقف لم تکن بأجمعها سلبیة وباعثة على الیأس، بل کان فی هذا العصر تطورات أیضًا، المعتقدات الدینیة بین الناس قد نمت، ونتیجة لذلک اتجهت قطاعات أکثر من ذی قبل نحو الوقف. وفی سنة 1911م تمت المصادقة على «قانون وزارة المعارف والأوقاف والصنائع المستظرفة». وبموجبه أصبح مسؤولو إدارة المعار ف فی المحافظات مکلفین بإدارة أمور الأوقاف.
ولاتساع نطاق الأوقاف تأسست الإدارة العامة للأوقاف، وکانت تابعة لوزارة الثقافة. وبموجب قانون صدر سنة 1935م أصبحت هذه الدائرة مسؤولة عن إدارة الموقوفات مجهولة التولیة أو عدیمة التولیة والموقوفات العامة التی تعود عائداتها إلى الخدمات العامة.
بتأسیس المجلس الأعلى للأوقاف تم انفصال إدارة الأوقاف عن وزارة الثقافة لأول مرة، بموجب قرار من مجلس الشورى الوطنی عام 1967. بموجب هذا القرار تفککت وزارة الثقافة إلى : وزارة التربیة والتعلیم،ووزارة الثقافة والفنون، ومنظمة الأوقاف (نوری 1389ش: 3-30) وبموجب المادة الرابعة من هذاالقانون صارت منظمة الأوقاف مرتبطة برآسة الوزراء. من هنا تأسس المجلس الأعلى للأوقاف إلى جانب منظمة الأوقاف .وهذا المجلس أوکلت إلیه مسؤولیة التنسیق بین المؤسسات والقوى المختلفة. وأعضاء هذا المجلس هم:
رئیس منظمة الأوقاف ،ومساعد وزیر التربیة والتعلیم،ومساعد وزارة التعاون، والمدیر العام للسجلات والأملاک، وقاض منتخب من وزارة العدل، وشخصان من المجتهدین، واثنان من أساتذة حقوق جامعة طهران (مجموعة قوانین الوقف، طهران 1368 ش).
فی أواخر العصر البهلوی ارتفعت أسعار الأراضی، وهذا ما فتح شهیّة المستغلین، الذین استولوا على الأراضی الموقوفة، فزوّروا وثائقها وعمدوا إلى المتاجرة بها.
فی عهد الجمهوریة الإسلامیة
بعد إقامة الجمهوریة الإسلامیة سعت منظمة الأوقاف إلى إبطال الوثائق المزورة، والى استعادة الموقوفات التی بیعت بموجب قانون الإصلاح الزراعی (جناتی 1374ش: 76) فی السنوات التی تلت قیام الجمهوریة الإسلامیة نرى وجهات نظر مختلفة وآراء متناقضة بشأن وضع الوقف فی إیران، ویعود ذلک فیما یعود إلى عدم وجود إحصائیات دقیقة بشأن الموقوفات فی إیران. المؤسسات المسؤولة عن الوقف مثل منظمة الأوقاف لم تُرد أو لم تستطیع أن تستجمع المعلومات الکاملة حول الوقف فی البلاد.
فی الواقع منظمة الأوقاف فی إیران ورثت بعد قیام الجمهوریة الإسلامیة رکامًا تاریخیًا هائلاً من المشاکل والتعقیدات والتلاعبات التی نزلت بالوقف إضافة إلى الموقوفات الهائلة من أراض وبساتین وأموال تحتاج بأجمعها إلى معالجة.
بسبب تغییر الجهاز الإداری باستمرار مع تغییر الحکومات فی ظل الجمهوریة الإسلامیة،وبسبب خضوع جهاز الأوقاف لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامی من جهة ولمکتب السید القائد من جهة أخرى ولرئاسة الجمهوریة من جهة ثالثة فإن التشتت فی الأعمال سیکون مفروضًا علیها (نوری، م.ن: 35- 40).
المجلس الأعلى للأوقاف تبدل بعد انتصار الثورة الإسلامیة بموجب قرار مجلس قیادة الثورة إلى الشورى المرکزی للأوقاف واقتصر أعضاؤه على مدراء منظمة الأوقاف.وتقرر أن یکون حل وفصل قضایا الأوقاف بید ممثلی الإمام الخمینی(رض) وحین صدر أمر الإمام الخمینی بضرورة بقاء الموقوفات على موقوفیتها کان ذلک یحتاج إلى جهاز ومنهج عمل. ثم بزوال المجلس الأعلى للأوقاف فقد افتقدت الموقوفات قدرة اتخاذ القرارات على مستوى عال. کان القطب الذی یستطیع حل المشاکل ممثل ولایة الفقیه. وبمساعی وجهود ممثل الإمام الخمینی تمت المصادقة على قانون الأوقاف فی مجلس الشورى الإسلامی وبذلک تعینت واجبات منظمة الأوقاف بشکل قانونی.
منظمة الأوقاف والأمور الخیریة تضم فی جهازها الإداری الآن 47 إدارة عامة للمحافظات، و1256 إدارة عامة للمدن، ویساعد رئیس المنظمة أربعة معاونین: مساعد أمور الأوقاف والمبرّات، ومساعد الشؤون الثقافیة، ومساعد شؤون البقاع والأماکن المتبرکة، ومساعد الشؤون الإداریة والمالیة وشؤون المجلس.
من التغییرات الهامة فی منظمة الأوقاف، إن مجلس الشورى أعاد النظر فی الجهاز الإداری للأوقاف عام 1985م ومَنَحه صلاحیات أوسع وغیّر اسمه إلى «منظمة الأوقاف والأمور الخیریة»، ثم صادق المجلس الإداری الأعلى على فصل منظمة الحج والزیارة عن منظمة الأوقاف والأمور الخیریة (نوری، م.ن: 35 – 40).
استنتاج
الوقف فی إیران أدّى على مرّ التاریخ الإیرانی خدمات عظیمة، وقدّم أفضل صورة عن نشاط المجتمع المدنی، وعن تغلیب المصالح العامة على المصالح الخاصة، غیر أنه واجه مشاکل أساسیة أهمها:
أطماع ذوی القدرة والنفوذ الذین استولوا على إیران ولم یراعوا للوقف حرمة، وضعف الجهاز الإداری فی ضبط الأوقاف واستثمارها، وضعف الثقافة العامة فی فهم طبیعة الوقف ودوره الحضاری والاقتصادی والاجتماعی، ولابد أن تزول هذه المشاکل التاریخیة المتراکمة فی ظل دولة تستهدف البناء الحضاری الإسلامی الحدیث.
المصادر (بسبب لغة المصادر الفارسیة نذکرها کما هی دون تعریبها)
انصاری(محقق)، نوش آفرین، 1365، وقفنامه و تاریخ کتابخانه و کتابداری، یادنامه ادیب نیشابوری به اهتمام مهدی محقق، تهران، موسسه مطالعات اسلامی دانشگاه میک کیل با همکاری دانشگاه تهران.
بیانی، شیرین، ۱۳۸۱، دین و دولت در ایران عهد مغول(نبرد میان دو فرهنگ)، تهران، مرکز نشر دانشگاهی، جلد دوم.
بیانی، شیرین، 1389، همایش «میراث علمی و فلسفی خواجه نصیرالدین طوسی»، تهران، مرکز پژوهش میراث مکتوب، کتابخانه ملی و وزارت فرهنگ.
بروشکی، محمد مهدی، 1365، بررسی روش اداری و آموزش ربع رشیدی، مشهد، موسسه انتشارات آستان قدس رضوی.