هذا المقال یلخّص ما دار من حوار فی مصر خلال النصف الثانی من القرن العشرین بین أنصار التیار العلمانی مقابل التیار الإسلامی. فقد دار حول مفهوم العلمانیة، ومفهوم الدیمقراطیة، والاشتراکیة، والرأسمالیة، ویبرز الحوار حول النظام السیاسی والانتماء لیکون فی مقدمة هذه الحوارات. فإصلاح النظام السیاسی همّ مشترک غیر أن الاختلاف فی کیفیة الاصلاح، والانتماء الوطنی همّ مشترک أیضًا، ولکن مسألة ارتباطه بالانتماء الإسلامی والقومی کان موضع نقاش أیضًا. ثم دار الحوار أیضًا حول النظرة إلى الدین وفهمه فهمًا یتناسب مع متطلبات العصر الحدیث، وعن الأخلاق، وعن العلاقات بین المذاهب داخل إطار الدین الإسلامی. وهذا العرض یکمّل ما نُشر للباحث نفسه فی العدد 34 من هذه المجلة تحت عنوان «الحوارات الثقافیة فی الساحة المصریة خلال القرن الماضی»...
هذا المقال یلخّص ما دار من حوار فی مصر خلال النصف الثانی من القرن العشرین بین أنصار التیار العلمانی مقابل التیار الإسلامی. فقد دار حول مفهوم العلمانیة، ومفهوم الدیمقراطیة، والاشتراکیة، والرأسمالیة، ویبرز الحوار حول النظام السیاسی والانتماء لیکون فی مقدمة هذه الحوارات. فإصلاح النظام السیاسی همّ مشترک غیر أن الاختلاف فی کیفیة الاصلاح، والانتماء الوطنی همّ مشترک أیضًا، ولکن مسألة ارتباطه بالانتماء الإسلامی والقومی کان موضع نقاش أیضًا. ثم دار الحوار أیضًا حول النظرة إلى الدین وفهمه فهمًا یتناسب مع متطلبات العصر الحدیث، وعن الأخلاق، وعن العلاقات بین المذاهب داخل إطار الدین الإسلامی. وهذا العرض یکمّل ما نُشر للباحث نفسه فی العدد 34 من هذه المجلة تحت عنوان «الحوارات الثقافیة فی الساحة المصریة خلال القرن الماضی».
وما یدور الیوم فی مصر لیس بعیدًا عن ترکة القرن الماضی، وهی ترکة یجب أن تکون موضع اهتمام لأخذ العِبرَ والدروس.
کما حکم الجدل بین أنصار التقلید وأنصار التغریب حوارات النصف الأول من القرن، فإن حوارات النصف الثانی منه تقاسمها أنصار التیار العلمانی (اللیبرالی والقومی والمارکسی) مقابل التیار الإسلامی. وربما کانت عین المنطلقات التی حکمت التیارین التقلیدی / المحافظ من ناحیة والتجدیدی /التغریبی من ناحیة أخرى هی التی حکمت قضایا الحوار بین التیارین الحدیثین (العلمانی والإسلامی) ،وقد تراوحت هذه المنطلقات بین التمسک بالتراث والعودة إلى الأصول والالتزام بمقومات الأمة واستلهام الحضارة العربیة والإسلامیة للخروج بها من أزماتها المعاصرة من جانب، ومحاولة إعادة بناء المقومات الأساسیة للأمة على أسس لا تنبثق من الدین،وإنما باستلهام النماذج الغربیة لحل مشاکل المجتمع وتغییر القیم السائدة فیه، من جانب آخر.
ولعل العراک الذی دار حول العلمانیة، کمفهوم وإطار معرفی ومجتمعی کان على قدر کبیر من الضراوة بین أنصار التیارین. فالاختلاف فی فهم مصطلح العلمانیة وتحدید عناصره ومضمونه وأثره هو الذی یترتب علیه الموقف منه بالتأیید أو الرفض أو التبنی أو التجریم. ومن أهم الحوارات التی عرضت هذا الجدل الدائر بین العلمانیین والإسلامیین، حوار دار بین الدکتور عبدالوهاب المسیری وبین الدکتور عزیز العظمة([1])، حیث ینتمی الأول إلى التیار الإسلامی المعتدل الذی یرفض العلمانیة مدرکًا لمختلف أبعادها، بینما یعتبر الدکتور عزیز العظمة أحد منظری التیار العلمانی العربی والذی یقبل بالدین فقط خارج الدائرة السیاسیة. وینتهی الحوار إلى صعوبة تلاقی التیارین، حیث یجد الإسلامیون بشکل عام صعوبة فی قبول تنحیة الدین عن منحى الحیاة، بما فی ذلک الدولة ونظام الحکم، فی حین یصر العلمانیون على اعتبار الدین من الأمور الشخصیة التی یجب أن تبقى بمعزل عن أمور الحکم والدولة، خوفًا من أثره على الحریات السیاسیة،وإمکانیة النزوع إلى الاستبداد، وارتکاب جرائم سیاسیة فی حق الأمة باسم الدین. ومما یرتبط ارتباطًا وشیجًا بالحدیث عن الحوار بین الاسلامیین والعلمانیین ــ ذلک الحوار الذی طبع قسماته على عدد من المفاهیم والحوارات التی تولد الخلاف حولها عن الخلاف الأساسی حول مصطلح العلمانیة ــ هو الحوار حول الدیموقراطیة منظورًا إلیها من الرؤیة الفکریة لکل من التیارین.
وفی الحوار عن الدیموقراطیة بین العلمانیةوالإسلام ([2]) الذی دار بین الدکتور عبد الرازق عید ــ ممثلا للتیار العلمانی ــ والدکتور محمد عبدالجبار ــ ممثلا للتیار الإسلامی ــ إجمال للمنطلقات التی حکمت التیارین فی الحدیث عن الدیموقراطیة .فقد دافع د.عبدالرازق عید عن العلمانیة باعتبارها السیاق الطبیعی الذی ینبغی اتباعه لإقرار الدیموقراطیة،رافضًا ما یسمیه بالمحاولات التلفیقیة التی تحاول أن تنتزع الدیموقراطیة من إطارها اللیبرالی العلمانی، مما یؤدی حتمًا إلى فشل تجارب الدیموقرایة فی الدول العربیة. کما یعتبر أن مقولة الخصوصیة الثقافیة فی العالم العربی هی مقولة ذرائعیة للتمسک بالنمط الاستبدادی العربی.وفی المقابل، فإن د.عبدالجبار یتبنى النموذج الذی یرفضه عبدالرازق عید، والذی یرى أن فی الإسلام بذورًا حضاریة ودیموقراطیة،ولکن بتسمیات أخرى کالشورى، والتی تنتظر فقط من یفعّلها. ویظل الحوار دائرًا عند هذه النقطة لا یحید عنها،هل الدیموقراطیة لا تولد إلا فی رحم العلمانیة؟ هل الشورى صورة إسلامیة للدیموقراطیة، أم أنها أقدر منها على حل الأزمات السیاسیة للأمة؟ ولا یوجد تصور لصیغة توفیقیة أو حتى مختلفة عن أی منهما.
وعن الحوار حول الفکر الاقتصادی،ونظرًا للسیاقات التی أحاطت الأمة والظروف المجتمعیة والأنظمة الاقتصادیة دائمة التغیر، فقد ظهرت العدید من الحوارات فی مجال الفکر الاقتصادی، بصورة أساسیة حول الاشتراکیة والرأسمالیة،والبنوک وشرکات توظیف الأموال والمضاربة فی البورصة، ولعل أکثر ما مسّ عموم جمهور الأمة فی حوارات الفکر الاقتصادی هو موضوع الربا والفائدة. وعلى الرغم من اتساع الحوار، فهو فی نهایة الأمر ینقسم بین فریقین کبیرین: أحدهما: یحرم الفائدة باعتبارها ربا، والآخر: یحلّها باعتبارها لیست ربا. والاختلاف بینهما لا یتمخض فقط عن الانطلاق من فروض لیبرالیة فی مقابل الانطلاق من الفقه الإسلامی، وإنما حتى داخل الفقه الإسلامی ذاته تدور اختلافات حول التفسیرات المختلفة وقواعد الاجتهاد والضرورة. فبینما یذهب فریق إلى أن الفائدة ماهی إلا ربا باسم جدید، لأن القرض ینبغی أن یرد بلا زیادة من المقترض، وإذا کانت الفائدة قرضًا (مضاربة) فینبغی أن تکون بربح أو خسارة حسب حالة المنتج، لتعبر عن إنتاج حقیقی یرفع اقتصاد الأمة، ولا یزید الأغنیاء غنىً والفقراء فقرًا ) کَیْ لَا یَکُونَ دُولَةً بَیْنَ الْأَغْنِیَاء مِنکُمْ( (الحشرة: 7)، یرى الفریق الآخر الذی یحلّ الفائدة، أنها محکومة بقواعد عامة تحدد نسبة الربح المعقول وتحکمه وتنظمه قواعد اقتصادیة لا سبیل لتغییرها، ویتهم الفریق الأول بالمثالیة الزائدة. وکالعادة لا ینتهی الحوار باتفاق حول صیغة وسط توحّد بین أقطاب الفقه وعلماء الاقتصاد توفّق بین النص والواقع والمصلحة([3]).
وبدیهی أن یعیش الفکر الإسلامی المعاصر أزمة تتزامن وتتوازى مع الأزمة التی تعیشها الأمة والتحدیات التی تواجهها، وتجلّت أکثر ما تجلّت هذه الأزمة فی الاجتهاد، والعلاقة بین النص والواقع والمصلحة. والخلاف بین أصحاب التیارات والآراء فی تفسیر الأزمة، وبالتالی مقترحات العلاج ــ یتباین بین الخلاف حول موطن الأزمة ذاته وبین مظاهرها. وبینما یراها البعض أزمة تکوینیة تعود إلى کیفیة تکون هذاالفکر مع القرن التاسع عشر وقیام الدولة الحدیثة وعلاقته بالفکر الغربی والفکر الإنسانی بشکل عام، فإن البعض الآخر یرجع الأزمة إلى المثقف ذاته، الذی یهدف إلى التغییر دون امتلاکه قدرة حقیقیة على ذلک، ویشترک الفریقان فی أن هدف الفکر العربی والإسلامی ذاته یتسم بعدم التحدید والوضوح([4]).
من ناحیة أخرى،یرى د. محمد سعید رمضان البوطی أن التحدیات التی تواجهها الأمة نابعة من الداخل ومن ضعف الإرادة الشعبیة الفردیة والجماعیة، والسعی لتطبیق الإسلام بمعنى النظم والشرائع ولیس العبادات والأخلاق، وأن التحدیات الحالیة ضعیفة جدًا بالمقارنة بالتحدیات التی واجهها المسلمون فی عقد الإسلام الأول، ومن ثم فهو یدعو لاستلهام هذا العصر وروحه ومبادئه لتخطی الأزمة، فیما یرى د.طیب تیزینی أن الضغوط الخارجیة لها ید کبرى فی تحدیات الیوم، وأن استلهام الماضی والانقطاع عن الواقع لن یغیر، وأن السعی لتطبیق الإسلام بمعناه النظامی لا ینفصل أبدًا عن معناه الأخلاقی([5]).
وبعیدًا عن موطن الأزمة، أو أسبابها ومقترحات حلها،یختلف بعض المفکرین حول الدرجة المسموح بها من الاجتهاد بناءً على إعلاء النص على المصحة والواقع أو العکس. وهو جدال المعاصرة، ومدافعو حریة الرأی والاعتقاد،وغیرهم من الأطراف التی ترى فی أزمة الفکر والاجتهاد تحدیدا أزمة کبرى لابد وأن ینطوی حلها على القضاء على العدید من الأزمات الأخرى.
والخلاف الأساسی الذی یدور حوله الحوار هو مدى التعارض بین النص والمصلحة،هل یمکن أن یکون لهذا التعارض وجود أصلا، أم أنه بالضرورة لا تعارض باعتبار أن کل ما هو مصلحة فهو من الشریعة؟ وإذا وجد التعارض فأیهما یغلب على الآخر، هل النص مقدم على المصلحة أم أن المصلحة هی المقدمة على النص...الخ؟ إلا أنه فی کل الأحوال، وباتفاق جمیع الأطراف، فلابد للاجتهاد من شروط لا یجوز التهاون فیها ([6]).
حوار النظام السیاسی والانتماء:
إیًا کانت الظروف التی تعیشها الأمة کتلک التی عاشتها فی أواخر القرن التاسع عشر وحتى النصف الأول من القرن العشرین، فإنه من الطبیعی أن تتلاطم أمواج الفکر حول أسباب هذه الظروف، وکیفیة النجاة من توابعها. وعادة ما تفسر الأسباب بطبیعة النظام السیاسی الذی یحکم الأمة،ویتم اللجوء إلى حلول تدور حول الانتماء السیاسی وإلى أین یجب أن یتجه. ومن هنا،کانت العلة الرئیسة فی تفجر مثل هذه المعارک والحوارات، التی کانت تفسر الواقع الراهن بفساد النظام السیاسی وضرورة إصلاحه واقتراح أسالیب الإصلاح. وفی الوقت ذاته،کانت تحاول الهروب من هذا الواقع وتغییره بالتنقیب فی انتماءاتها السیاسیة، علّها تجد فی أی منها طوقًا للنجاة تستند إلیه للخروج من أزمتها.
ولم یکن النصف الثانی من القرن ببعید عن مثل هذه الحوارات، بل کان أقرب ما یکون منها،خاصة فی الخمسینیات والستینیات، مع انطلاق حرکات التحریر فی البلدان الإسلامیة، وخروج المستعمر منها من ناحیة،ومع محاولات بناء الدولة الحدیثة، المؤسسیة، المستقلة،المنفصلة من جهة عن الخلافة التی کانت تتبعها فی أوائل القرن، وعن الغرب الذی حکم مقدرات أمورها حتى منتصفه من ناحیة أخرى،فامتدت أزمات النظام السیاسی، ولکن بشکل أکثر تمحورًا حول الأنظمة السیاسیة الرأسمالیة والاشتراکیة والنموذج الذی ینبغی اتباعه. وأزمة الانتماء السیاسی کانت شبه محسومة لصالح العروبة مع ظهور الدولة القطریة، حیث تولى مقالید الأمور قادة وزعماء یرون فی التکتل العربی طاقة أیسر فی تجمیعها من محاولة إعادة إحیاء التکتل الإسلامی. وتحاول السطور التالیة أن تعکس الأزمة السیاسیة التی سادت الأمة آنذاک، سواء کانت أزمة النظام أو أزمة الانتماء.
أزمة النظام السیاسی: لم یکن السیاق المجتمعی، والسیاسی بالأخص ، لیحصد سوى أزمة فی النظام السیاسی، تضاربت فی شأنها الآراء وأسالیب التغییر ومحاولات الإصلاح. وأهم ما کان یمیز هذا السیاق هو المسألة الشرقیة، والتی اتخذت طابعًا یعد إلى حد کبیر «امتدادًا للنزاع الإسلامی ــ الصلیبی فی العصور الوسطى»([7])، فقد کانت النزعة الإسلامیة هی الرابطة القومیة فی مختلف أنحاء الأمة حتى أوائل القرن العشرین. وحتى عندما ثار عرابی باشا على الأوضاع فی أواخر القرن التاسع عشر، لم یکن ذلک إعلانًا للعصیان على الخلیفة أو محاولة للخروج علیه والانشقاق عن الخلافة الإسلامیة، وإنما کان رفضًا لأوضاع الفساد ولتغلغل النفوذ الأجنبی فی شؤون الخلافة. وقد تمخضت الحروب والمجازر التی خاضتها وتعرضت لها الدولة العثمانیة، عن سیاسة تبناها السلطان عبد الحمید فی مختتم القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرین مفادها تقویة فکرة الجامعة الإسلامیة ونشر شعاره المعروف «یا مسلمی العالم اتحدوا».
وکان موضوع إصلاح النظام السیاسی موضوعًا متعدد الجوانب، وبتعددها تعددت الآراء حوله. وبدأت الحوارات منذ أواخر القرن التاسع عشر، وکان أبرزها تلک التی زخرت بها صحیفة المنار فی أعدادها الأولى. منها حوار دار بین أحد کتاب دمشق وبین المنار ([8])، حیث اعتبر الکاتب الدمشقی المحددین لطرق الإصلاح مغالین، لوجود عوائق ضخمة،وأن الطریق الوحید للإصلاح هو طریق أوروبا، وأن هذه العوائق هی: النفع الذاتی، العصبیة القومیة، الاختلافات الطائفیة والمذهبیة، السعی فی إفساد الأخلاق، والسعی فی انحطاط علماء الدین من أقطار الأمة. والحل ــ فی نظره ــ یکمن فی إقناع رجال الدین والعلماء بأهمیة العلوم الطبیعیة إلى جانب تلک الشرعیة.وتختلف المنار مع الکاتب فی نقطتین: الأولى فی الدفاع عن العلماء، إذ ترى المنار أن لا عذر لهم فیما فعلت الحکومات فی عدم أدائهم لواجبهم، والنقطة الأخرى فی یأسه الشدید من تحقق الإصلاح.
فی حین اتفقت المنار مع صاحب مقال «الإصلاح الإسلامی بعدل القوام أو التکافل العام»([9]) والذی جعل ما یسمیه عدل القوام أو التکافل العام، أی معرفة مجموع الأمة بحقوقها العامة، هو وسیلة الإصلاح، إذ أن المنار ترى أن الإصلاح یکون إما من الحکام أو من الأمة، ونظراً لضعف إیمان الحکام، فلیکن الإصلاح بتهذیب الأمة. وفی مقال آخر لرشید رضا بعنوان «استنهاض همم»([10]) یشیر إلى ما یسمیه حرکة خواطر المسلمین وتناجی أرواحهم فی إصلاح شؤونهم،ویشیر إلى المعترضین على مقولات الإصلاح إما لیأسهم وإما للطمع فی الاستمتاع بثمرات الإصلاح فورًا وإلا فلا جدوى منه.تلا ذلک المقال سلسلة من المقالات لرشید رضا عن الخلافة الإسلامیة وإصلاح حال الدولة العلیة بعنوان «ربنا إنا أطعنا سادتنا وکبراءنا فأضلّونا السبیلا» ([11]).
کما سلف الذکر،فإن إحدى مقترحات الإصلاح التی قادها السلطان عبدالحمید هو الجامعة الإسلامیة. وقد نشر مقال جامع فی المنار عن الجامعة الإسلامیة ([12]) یلخص تاریخ الدعوة إلى الجامعة الإسلامیة وصولا إلى عهد کتابة المقال، محددًا الاتجاهات المختلفة التی شهدتها. حیث ظهرت الدعوة أول ما ظهرت فی مقالات جمال الدین الأفغانی الذی کانت ترجمت معظم کتاباته مقولته: «لا جنسیة للمسلمین إلا فی دینهم»([13])، وأن الدین هو السبیل إلى إصلاح حال الأمة، یشارکه فی ذلک الإمام محمد عبده فیما نشراه فی مجلة «العروة الوثقى» التی کانت تصدر فی باریس، وتصل إلى مختلف الأقطار الإسلامیة.
ثم تأتی مقالات عبدالله الندیم فی مجلة «الأستاذ»،والتی کان من أشهرها مقال: «لو کنتم مثلنا لفعلتم فعلنا»([14]) یقصد أنه لو کانت الدولة العثمانیة دولة مسیحیة الدین، لما قامت أوروبا قیامتها تلک فی مواجهة الجامعة الإسلامیة، ولما ثارت ثائرة النصارى من رعیة الدولة العثمانیة. وفی ذات التیار تسیر آراء المنار التی توافق العروة فی تعالیمها الاجتماعیة وقواعدها للوحدة الإسلامیة، وزادت علیها البحث فی جزئیات القوة. بینما سارت فی التیار المعارض جریدة المقطم التی کان مفاد رأیها أن الإصلاح السیاسی یطلب من القوة الحاکمة، فی حین یطلب الإصلاح الدینی من أهل الدین «الفصل بین الدین والسیاسة». وتتشاءم الأهرام التی ترى فی معارضة أوروبا خطرًاعظیمًا یعوق الجامعة الإسلامیة ومحاولات الإصلاح ککل، ثم نشر فی الأهرام جدال بین صاحبها وبین علماء الإسلام العارفین بالسیاسة، ولم یحدث اتفاق بین أی من الأطراف،کذلک کانت الهلال وکتاب دائرة المعارف وغیرهم من المثقفین المسیحیین ممن لا یستحسنون مقترح الجامعة الإسلامیة.
ومن الجرائد العربیة والإسلامیة المؤیدة لدعوة الجامعة الإسلامیة: المؤید، محمدان الهندیة،مجلة الموسوعات، زمان الترکیة، جریدة معلومات العربیة فی الأستانة العلیة، الحاضرة، ثمرات الفنون فی بیروت. ویرد رشید رضا فی المنار فی مقال له بعنوان «الدین والدولة أو الخلافة والسلطة» ([15]) بالقول: «على النصارى القائلین بفصل الدین والدولة کطریق لتحقیق الجامعة الإسلامیة تبیان معنى هذه الکلمات، وکیف أنه لا یمکن الفصل بینهما فی الإسلام، لذا فعلیهم التوقف عن هذه المزاعم إن کانت عن جهل، وأما إن کانت عن قصد، فهم بذلک یخدمون أغراض أعداء الإسلام، وإن کان خوفًا من التفرقة، فإن تنفیذ الشریعة الإسلامیة حافز على تحقیق الوحدة ولیس التفرقة بین أبناء الوطن الواحد إن صح تطبیق قواعدها وفهمها». وفی الشهر التالی لهذا المقال، یرد رشید رضا على «مسلم حرّ الأفکار»، فی مقالة «تحریف الکلام عن مواضعه» ([16]).
حیث ثار حوار وأخذ ورد بین المنار وبین کاتب مقالین طویلین بإمضاء «مسلم حرّ الأفکار»، یوافق فیهما على قول النصارى بأن ترقّی المسلمین یتوقف على الفصل بین الدین والدولة، والخلافة والسلطنة، وتردّ المنار بأن هذا الفصل هو ما أدى إلى تدهور حال المسلمین، وتلا ذلک رد صاحب المقال متهمًا المنار بشن حملة علیه، لأنه یدعو للاعتماد على التراث وعدم تفرقةشمل الأمة وإنکار المنار لذلک. وعلى ذات الشاکلة دارت محاورة فی دعوى ضرر الدین والجامعة الإسلامیة على صفحات المنار ([17])،ویتحدث المقال عن حوار دار بین أحد الکتاب الصحفیین وبین رشید رضا عن دعوة المنار للجامعة الإسلامیة.وتتلخص حجج الکاتب المعارض فی أن الجامعة الإسلامیة تدعو للتفرقة بین المسلم والقبطی فی مصر، وأنه ما أضر بالشرق وأوقع به الدمار إلا «الدین»، فینبغی أن یفهم النشء أنه لا یمکن الإصلاح إلا بنبذ الدین ظهریًا. وترد المنار بأنه ما ضر بالشرق إلا عدم فهم حقیقة الدین، ومن عوارض أخرى کجهالة الرؤساء ودسائس الطامعین، وکذا مضرة أهل الأدیان الأخرى ترجع لعدم فهم حقیقة الدین الاسلامی.
وامتدت محاولات الإقناع بفکرة الجامعة الإسلامیة إلى خارج الأمة، وهو ما نشر فی رد المنار على حوار أجراه صاحب الأهرام مع هانوتو وزیر خارجیة فرنسا، لیزیل مخاوف الغرب من فکرة الجامعة الإسلامیة، ویوضح معنى جمع السلطتین الدینیة والدنیویة فی شخص واختلافه عن المعنى الغربی ([18]). وکان المؤیدون لفکرة الجامعة الإسلامیة یحاولون الدفاع عنها فی المقابل، لتلافی الفتن التی کانت تحاول أوروبا إثارتها، لتألیب الطوائف المسیحیة من رعایا الدولة العثمانیة علیها.
ولا یفوتنا هنا أن نذکر أن هذه الحوارات لم تقف عند حد الجدال الفکری،وإنما امتدت إلى ألوان من الأدب على رأسها الشعر، فلا یخلو دیوان لأحد شعراء ذلک العصر ــ مهما کان اتجاهه الفنی ــ من مدح للخلیفة ومن تمجید للدولة العثمانیة ومؤازرتها فی حروبها المتعددة حفاظًا على وجودها وکیانها وحمایتها للأمة. على رأس هؤلاء الشعراء أمیرهم أحمد شوقی، حافظ إبراهیم، على الغایاتی، الکاشف. ولکن ما لبثت أن تدهورت أحوال الخلافة الإسلامیة، وقاد الجیش الترکی انقلابًا على السلطان عبدالحمید وخلعه، وهو الأمر الذی اختلفت حوله الأمة. ففی حین تعاطف مسلمو الهند مع السلطان المخلوع، انتقدت المنار ([19]) مقالین: الأول لمولوی محمد إنشاء الله صاحب جریدة «الوطن» التی تصدر بالأردیة من لاهور بعنوان: «الانقلاب المشؤوم فی الدولة العلیة»، والثانی من جریدة «أبزرور» «وخلاصة المقال التباکی على عزل السلطان عبدالحمید الثانی من عرش الخلافة والسلطنة العثمانیة، معتبرتین ذلک طعنة فی قلب العالم الإسلامی وناظرتین إلى السلطان عبدالحمید باعتباره مثال السلطان الصالح، وأن هذه مؤامرة علیه». استنکرت المنار ذلک، وتعجبت من جهل الجرائد الإسلامیة فی الهند بالأوضاع الحقیقیة فی أرض الخلافة، مفنّدة ومعددة لمساوئ السلطان عبدالحمید. تلا ذلک مقال بعنوان «الانقلاب المیمون وأثر السلطان عبدالحمید فی الدولة ومقاومته للدستور» (استدراک على المنار) لرفیق العظم ([20]) حیث أکمل ما فندته المنار من أسانید، معددًا سیئات السلطان إمعانًا فی الإقناع. ثم عاد مولوی محمد إنشاء الله([21]) مرة أخرى للدفاع عن عبدالحمید، معدلًا موقفه إلى کونه یعلم بنقائص السلطان، ولکنه لم یکن مبعث الفساد وأنه أفضل من غیره. کما عاب على کل من المنار واللواء الإشارة إلى أن أهل الهند لا یعلمون ما یحدث مؤکدًا عکس ذلک.
وتتطور الأحداث التی تمرّ بها الأمة، التی ما فتأت تبحث عن مناص مما آل إلیه حالها. واشتدت المعرکة حول النظام السایسی بعد الحرب العالمیة الأولى مع ظهور مصطفى کمال أتاتورک وإلغاء الخلافة عام 1923م.وعلى مستوى الرأی العام فإنه کان أملاً فی التغییر للأفضل، ولکنه غضب، بسبب إلغاء الخلافة الإسلامیة والاعتداء على رأس الخلافة، فثار الرأی العام على أتاتورک بعد تشجیعه له فی البدایة.
أما على مستوى رجال الأدب والسیاسة، فقد انقسموا بالأساس إلى مؤیدین لأتاتورک وإلغاء الخلافة، ومعارضین لأتاتورک متمسک بالخلافة. ولنبدأ بالمؤیدین،ومنهم أحد الکتاب الأتراک الذی سفّه نظام الخلافة ومظالمها وخصّ الخلافة العثمانیة، وشکک فی شرعیة هذا النظام معللًا ذلک بأن الخلافة لیست فرضًا على المسلمین ([22])، بل صورة من صور الحکم سادت فی عصر ما، أما الوقت الحالی فیشهد کثیرًا من الأنظمة الأخرى. ومادامت الخلافة الحقیقیة لا یمکن تحقیقها حالیًا، فلنبحث عن شکل آخر. کما أن الخلفاء من قبل عملوا بمبدأی الشورى والتفویض، ثم تخلّوا عنهما لاحقًا. ومهما یکن الأمر فإن ما فعله أتاتورک ــ من وجهة نظره ــ لا یحتاج لسند شرعی، إذ یکفی أن ما فعله لا یتعارض مع النصوص الشرعیة.وشارکه فی الرأی متخذًا جبهة المدافعین عن أتاتورک والمتحمسین لإلغاء الخلافة الشیخ علی عبدالرازق فی مصر، حیث دعم رأیه بأن لا دلیل من الکتاب أو السنة على ضرورة الخلافة. فالخلافة لیست ضروریة لإقامة شعائر الدین، فریاسة النبی علیه الصلاة والسلام، ریاسة دینیة شخصیة انتهت بوفاته، ونظم الإسلام وتشریعاته لا تستطیع تکوین أرکان الدولة الحدیثة ([23]).
أما التیار المعارض لأتاتورک والمتمسک بالخلافة، فترأسه محمد رشید رضا صاحب المنار، والذی یؤمن بفضل الشریعة الإسلامیة على کل الشرائع الغربیة، وقدأوقف نهضة المسلمین على إقامة الخلافة مرة ثانیة، ودعا إلى تعاون العرب والترک على إقامتها، وکان لا یرى تعارضًا بین الحکم الدینی وبین حق الشعب فی التشریع، فالخلافة لا تنطوی على الاستبداد الدینی مقارنة بالبابویة المسیحیة. وسار على النهج نفسه شیخ الإسلام مصطفى صبری الذی رأى فساد دین الکمالیین (نسبة إلى کمال أتاتورک) وعصبیتهم للجنس الترکی، ومحاربتهم للعصبیة الإسلامیة. ورأیه أن الخلافة هی اتصاف الحکومة بصفة اٍسلامیة، وانسلاخها من هذه الصفةانسلاخ عن الدین.ورد مصطفى صبری على حجج الکمالیین بأن علاج فساد الخلفاء یکون بالإصلاح لا بتبدیل الشریعة، کما رد على شبهة تقیید الدین لحریة الحکومة، بأن الحریة هی حریة الأمم ولیست حریة الحکومات حتى لا تتلاعب الأخیرة بالقوانین. فکون الحکومة مقیدة بالدین فهو لصالح الأمة. کما أنه رد على شبهة عدم اختصاص علماء الدین بالسیاسة، مبینًا أن الله ــ سبحانه وتعالى ــ وجه العلماء إلى الاشتغال بما یفید الناس ومنه السیاسة وأنزل عنهم فریضة الجهاد للتفرغ لتلک المهمة.
برز فی هذا السیاق عراک حول صلاحیة الحیاة الدیمقراطیة للشعوب النامیة،مثلته أخبار ثلاثة وردت فی البلاغ الأسبوعی عام 1929 ([24]) فی باب أخبار الأسبوع الداخلیة، یشیر خبران منها إلى کتاب الید القویة فی مصر، والذی وزعته الحکومة المصریة فی تلک الفترة فی إنجلترا مطبوعًا باللغة الإنجلیزیة کدعایة للوزارة، وقد حاول هذا الکتاب أن یبرهن على فشل الحیاة النیابیة فی مصر وانتهى إلى أن الأمة المصریة لا تصلح للدستور، کما تضمن الخبر الاستهزاء بمحتوى هذا الکتاب والإشارة إلى کذبه وافترائه. أما الخبر الثالث فکان عن کتاب جهاد مصر لأجل الاستقلال التام والدستور والذی أصدره مکرم عبد فی لندن ردًا على کتاب الید القویة فی مصر. وتضمن الکتاب توضیحًا للأسباب الحقیقیة الکامنة وراء الأزمة الدستوریة بمصر مراهنًا على کفاءة المصریین للحیاة النیابیة بالإحصاءات وبحکم التاریخ وشهادة الأجانب موضحًا جهاد مصر من أجل الاستقلال والأعمال النافعة التی أداها البرلمان للبلاد.
ثم اتسمت الخمسینیات فی عمومها بالمنحى والتوجه الواحد، وهو ما أفرزه سیاق الثورة فی مصر من ضرورة الالتزام بعدم تشتیت القوى الوطنیة وأهمیة التفافها حول طرق تفکیر وأسالیب حل المشکلات من منظور واحد، حتى یمکن تجمیع القدرات الوطنیة کلها حول أهداف البناء وتحقیق الاستقلال الکامل واستعادة الکرامة للوطن. إلا أن هذا لا یمنع عودة الحوار فی الستینیات عن الدیمقراطیة والاشتراکیة والرأسمالیة، وعلاقة ذلک بالتنظیم الشعبی والمجتمع المعاصر ومصالح الشعب ومدى تحقیق هذه الأنظمة لمصالح الشعب ([25]) کما تعددت الآراء فی مطلع الستینیات (1961) حول صدور القوانین الاشتراکیة([26]).
هذه الرغبة، بل دعنا نقول السیاسة التی انتهجها النظام الحاکم، وقمع التعددیة،کان لها بالغ الأثر على حریة الصحافة لیس فقط فی مصر ([27])، بل وفی معظم أقطار الأمة. فی سوریا صدرت سلسلة مقالات حول مدى أحقیة وزیر الإعلام فی تعطیل الصحف، محاولة الوصول للأسباب الحقیقیة وراء إغلاق جریدتین فی دمشق ([28]). وقس على ذلک حال بقیة الأقطار التی کانت فی مهد تکوین الدولة المستقلة الحدیثة. ففی 1964، تفجرت ذات الأزمة فی لبنان([29])، وأزمات أخرى حول الدساتیر والمواثیق الوطنیة، من العراق وحتى المغرب([30]).
کانت تلک طائفة من أهم الحوارات التی دارت حول محاولات ومقترحات مختلفة لإصلاح النظام السیاسی انبثقت عن الأزمة التی کانت تعیشها الأمة بشکل عام. إلا أن هذه الحوارات لم تکن منبتّة الصلة عن غیرها من الأزمات السیاسیة، خاصة أزمة الانتماء السیاسی والتی خلقتها ذات الظروف والتی تمخضت عن نفس السیاق فی ذاک العصر. وکما ذکرنا ، فإن هناک صلة وشیجة بین أزمة النظام السیاسی ومقترحات حلها، وبین أزمة الانتماء السیاسی التی تعبر عنها التساؤلات حول الهویة ودور مصر داخل إطارها الإقلیمی.
أزمة الانتماء السیاسی: کانت الملامح العامة لأزمة الانتماء السیاسی تخیم على مختلف أرجاء الأمة بشکل أو بآخر، إلا أنها کانت لها قسمات خاصة فی کل قطر. ومن أشهر تلک القسمات والتی کان لها صدى فی أقطار أخرى من الأمة تلک التی میزت أزمة الانتماء السیاسی فی مصر،حیث کان لقسماتها طابع خاص واتخذ الحوار حولها درجات متصاعدة ومرکبة وممتدة، بدأت منذ نهایات القرن التاسع عشر، وامتدت على مدار القرن العشرین.
من أوائل روابط الانتماء التی دار الجدال حولها فی العقد الأخیر من العقد الأول من القرن العشرین، هی الجامعة الإسلامیة والرابطة العثمانیة، ونظرًا لأن البحث وراء الانتماءات کان منبعه محاولة الخروج من الأزمة، فقد اختلفت أسباب تأیید النفوذ الترکی فی مصر بین الأتراک المؤیدین لرابطة الدم، وبین علماء الدین الذین تحرکهم الغیرة الدینیة على مختلف الأقطار الإسلامیة والتی لا یقوم على الذود عنها غیر ترکیا تحت اسم الخلافة، وبین مجموعة من الزعماء المصریین الذین یتخذون من مساندتهم لترکیا سبیلا لمناوأة الاستعمار، مرتئین أنه یمکن التخلص من النفوذ الترکی فیما بعد وتأمین کیان مستقل لمصر بسهولة بعد خروج الإنجلیز، من هؤلاء مصطفى کامل ومحمد عبده وعبدالله الندیم وعلی الغایاتی. أما عامة المصریین فکانوا أیضًا من المؤیدین للترک مادام أنهم لا یعرفون لهم رابطة غیر رابطة الدین، ولا یعلمون لهم راعیًا غیر الخلیفة إمام المسلمین، ولا یفقهون ما الوطن وما الوطنیة والتی کانت تعتبر من «مستحدثات» الشباب المتعلم فی أوروبا ([31]).
وقتذاک، انقسم دعاة الوطنیة إلى فریقین: ([32]) الأول: لا یرى تناقضًا بین الرابطتین الإسلامیة والوطنیة من أمثال مصطفى کامل، وارتبط ذلک بالخلاف حول مفهوم الوطنیة ومضمونه وعلاقته بالانتماءات الأخرى. أما الفریق الآخر: فکان یحارب فکرة الجامعة الإسلامیة ویدعو إلى قصر الاهتمام بالوطنیة المصریة باعتبارها ما یعود حقًا على مصر بالنفع، واشتمل ذلک الفریق على قسمین: قسم تمثله صحیفة المقطم التی تعمل لحساب الإنجلیز، وآخر تمثله صحیفة الجریدة التی تنطق بلسان حزب الأمة. بینما کانت المنار تؤید ــ وبشکل واضح ومعلن تملؤه الحماسة ــ الجامعة الإسلامیة.
وفی العشرینیات من القرن، بدأت نبرة الانتماءات تعلو حدتها وتظهر فیها أطراف غیر تلک الترکیة والعربیة، وهی الأطراف المصریة الفرعونیة. وقد بدأت الدعوة إلى الجامعة (الرابطة) المصریة الفرعونیة کدعوة انفصالیة تنزع نحو الأنانیة والانطوائیة على النفس، وتعارض الجامعة الإسلامیة والجامعة العربیة([33])،ومن أمثلةالدعاة إلیها مرقص باشا سمیکة (کما هو واضح من محاضرته التی ألقاها عن المتحف القبطی بالجامعة الأمریکیة 1926) ومحمد حسین هیکل فی إحدى مراحل حیاته، ومحمد أمین حسونة من الذین تبنتهم مجلة السیاسة الأسبوعیة إجمالا. انتقلت هذه النعرة الفرعونیة من میدان الفکر والسیاسة إلى میدان الأدب.
ووصل الحوار إلى الخلط أحیانًا بین المفاهیم والروابط والانتماءات.ففی أواخر العشرینیات ظهر خلط واضح بین العروبة والإسلام، أو بمعنى أدق بین الجامعة العربیة والجامعة الإسلامیة، وبین الجامعة العربیة والجامعة الشرقیة، لذا حدث تداخل بین زعماء ودعاة الجامعات الثلاث ([34]) ولم یکن هذا الخلط محددًا فی فئة ما، بل کان على مستوى الناس جمیعًا علمائهم وعامتهم، ولیس فی مصر وحدها، فنجد مثلا أبا الحسن الندوی ــ أحد زعماء مسلمی الهند ــ غاضبًا لعدم اشتراک هدف الجامعة الشرقیة مع مثیلتها الإسلامیة التی تسعى لنهضة دول الشرق، ثم التساؤل الذی طرحه محمد لطفی جمعة عن المقصود بالدول العربیة وعلاقتها بالإسلام. ویرى الزعیم السوری عبدالرحمن شهبندر أن الشرق هو العرب والحضارة العربیة هی نفسها الإسلامیة. أما مصطفى صادق الرافعی فیرى أن المشرق العربی لن یقوم إلا على دعامتین: الدین الاسلامی واللغة العربیة. أما مجلة الهلال فرأت أن العصبیة الدینیة والقومیة هی التی حالت دون وحدة العرب، فرد أنیس الخوری على ذلک بالقول: إنه لا قوة تضم الأقطار العربیة إلا الإسلام.
وفی خضم هذا الصراع، وفی أواخر العشرینیات أیضًا، نشرت المنار عام 1929 مناظرة فی الجامعة المصریة بین المدینتین الفرعونیة والعربیة، وأیهما تختار مصر فی ذاک العصر؟ وفی النهایة أظهرت نتیجة الأصوات أن المؤیدین للعربیة أکثر ([35]).
وتأتی الثلاثینیات لتشکل حلقة جدیدة فی مسلسل معارک الانتماء السیاسی والقومی. فمع مطلع ثلاثینیات القرن وبالتحدید فی 1933م، أثار د.طه حسین معرکة ضخمة بتعبیر له جاء ضمن إحدى مقالاته فی جریدة کوکب الشرق یضع فیه العلاقة مع العرب فی مساواة مع العلاقة بغیرهم من الترک والفرس فی ظلمهم للمصریین ([36])، وبدأت فیها بعض الصحف فی مقدمتها السیاسة والسیاسة الأسبوعیة بتعزیز المصریة «الفرعونیة»، ودافع عنها هیکل ومحمد عبدالله.ودعا أعضاء الجمعیات الثقافیة والأدبیة فی دمشق إلى مقاطعة کتب طه حسین واستمرت المساجلات قرابة أشهر ثلاثة على صفحات الجرائد والمجلات.
وانتمى الکتّاب فی هذا الأمر إلى واحد من ثلاث فرق، أولها ساند طه حسین وأضاف إلیه واعتنق الفرعونیة أمثال عبدالقادر حمزة الذی کتب فی البلاغ بعنوان «مکان مصر من العرب والقومیة والعربیة»([37]) أنه لا داعی لهذا التخوف من التذکیر بأن تاریخ مصر یبدأ من قبل الفتح الإسلامی العربی، وأن ذلک لا ینفی فی نفس الوقت أن مصر عربیة.الأمر الذی عاد ونفاه طه حسین فی مقال له فی کوکب الشرق([38])،حیث نفی فیه عن نفسه العمل على إخراج مصر من العروبة.
ویکتب زکی إبراهیم فی البلاغ([39]) مؤیدًا أیضًا لطه حسین، حیث ینتقد النعرة الدینیة التی دعا إلیها عبدالله عفیفی، لیتقرب للجماهیر، ویرى أن الثقافة غیر الدین وأنه یتفق مع حسن صبحی فی أن للمصریین ثقافتهم الخاصة. وهو ما عبر عنه حسن صبحی فی محاضرة بعنوان «الوجهة الفرعونیة التی یجب أن تقلب إلیها ثقافتنا»، والتی أشار فیها إلى امتداد آثار الحضارة الفرعونیة إلى حیاة المصریین المعاصرة. کما انضم إلى هذا الفریق سلامة موسى الذی لا یجد فی العودة إلى الجذور المصریة للتقریب بین أبناء الوطن الواحد تهمة ینفیها عن نفسه.والفریق الثانی اتخذ لنفسه خطًا وسطًا فلا هو مع طه حسین ولا ضده. فیکتب فتحی رضوان فی البلاغ «لا فرعونیة ولا عربیة بعد الیوم» ([40])، یقول: إن کلتیهما فترتان فی تاریخ مصر وجزء من هویة مصر. وأن یتقاتل المصریون وکتابهم حول تقریر الولاء لأیهما هو دسیسة من المستعمر، کما أنه فی نفس الوقت لا مجال لمقارنة الإسلام بالعروبة، لأنه أشمل وأسمى من ذلک بکثیر.
وینضم زکی مبارک إلى المحایدین بمقاله «الثقافة العربیة والثقافة الفرعونیة»([41]) والذی یذکر فیه بأننا أولاد هذا العصر، ولیس أی فترة تاریخیة سابقة: «وبعد فنحن نعیش فی مصر ونتکلم لغة العرب وندین بالإسلام».ویرى محمد کامل حسین فی «لا فرعونیة ولا عربیة»([42]) أن الحیاة المصریة تختلف عن الفرعونیة العربیة والإسلامیة، وأنها تتجه حالیًا إلى الاقتباس من الثقافات الأجنبیة. فی حین یدافع عبدالرحمن عزام عن انتساب مصر للعروبة فی استنکاره «ألیست مصر عربیة؟» ([43]) ویأخذ صفه فی الدفاع عن العروبة کل من محمد خیاط الفلسطینی ([44])،وإبراهیم المازنی ([45])،ومحب الدین الخطیب ([46])، وعبدالله عفیفی([47]). ویرى الأخیر أن الفرعونیة مرحلة تاریخیة سیطرت فیها العبودیة فیما کانت الثقافة العربیة هی التی أدخلت مفاهیم الکرامة والحیاة الحقیقیة. ویرى علی الجندی ([48]) أن الصراع الأدبی والثقافی قد حسم لصالح الثقافة العربیة. ویناظر عبدالله عفیفی حسن صبحی مستندًا إلى أننا عرب لأن دیننا الإسلام، والقرآن أنزل باللغة العربیة، کما أن الثقافة العربیة قویة. ولا یستاء سعید حیدر([49]) من استلهام حضارة الفراعنة وإنما ما یسوءه هو استبعاد مؤیدی الفرعونیة لما ورثته مصر من مجد العرب وتراثهم. ومن أمثلة من قاوموا النزعة الفرعونیة کذلک محمود سیف الدین الإیرانی ([50])، وأبو الخطاب سیاف([51])، والذین تعتمد حججهم التی نشرت فی السیاسة الأسبوعیة على أن هذه محاولة من مصر لتخرج من الرکب العربی، ویرد ساطع الحصری([52]) على طه حسین فی رسالة مباشرة «مصر والعروبة من ساطع الحصری إلى طه حسین»، ردًا مدعمًا بأکثر من حجة. فدعوة المصریین إلى الاتحاد مع سائر الأقطار العربیة لا تتضمن حثهم على التنازل عن المصریة، کما أنه لا یمکن أن تتعارض فکرة تعمل فی الحاضر من أجل المستقبل مع آثار میراث ماض،فلا توجد دولةاحتفظ شعبها بوحدة الدم والأصل بصورة نقیة تمامًا، ولا یمکن تجاهل خطوط الاتصال الکثیرة مع العروبة جغرافیًا ولغویًا، ففکرة الوحدة العربیة مبنیة على المنفعة ولیس العاطفة وحدها.وکتب قلم عربی([53]) فی مجلة زهرة الشرق أن منبع اعتراض طه حسین هو عدم إیمانه بالوحدة السیاسیة بین الدول العربیة، کما أنه یخشى على مصر أن تفقد هویتها وسط الدول العربیة فی حالة الاتحاد، ویرد صاحب المقال على ذلک بأن العرب لا یسعون لتذویب هویاتهم المختلفة، وإنما یسعون لوحدة تشبه الولایات الألمانیة أو الولایات المتحدة، کما أن القدیم لا یضیره السیر مع الحدیث إذا کان ذلک سیحفظ الوحدة لهذا الکیان.ویستشهد عز الدین التنوخی([54]) بأقوال مکرم عبید وهو قبطی یرى نفسه فی العروبة ولیس فی الفرعونیة، ویقول «نحن عرب فی مصر ولا نمجد الفراعنة إلا لأنهم عرب». وکتب کرم کرم ([55]) صاحب جریدة العاصمة ببیروت فی البلاغ أن مناداة جریدته بعدم إحراق کتب طه حسین ــ التی نادى بإحراقها السوریون ــ فرصة لیقدم طه حسین اعتذاره، وکان ذلک سببًا بالفعل فی تراجع طه حسین.
أیّا کان الفریق، وأیّا کانت حجج کتّابه،فإنه تظهر عدم الوضوح فی وجهات النظر وتضاربها وخلطها بین مفاهیم العروبة والإسلام والشرقیة والفرعونیة والقومیة والمصریة ومفاهیم الثقافة والتراث والحضارة. وهو ما لیس بمنأى عن دور للمستعمر فیه بأی شکل من الأشکال، وهو ما دارت حوله حوارات عن دور الغرب فی أزمة الانتماء السیاسی وتدخله فی إثارة الفتن.
تدخل الغرب القضیة قدیمة والحوار حولها فی القرن العشرین بدأ فی عام 1900م مع مقال هانوتو ([56])، وزیر خارجیة فرنسا،عن الإسلام، ناقلًا عن کتاب «یکلمون» (أحد المستشرقین)، والذی أثار سخط العالم الإٍسلامی لنقله صورة خاطئة عن الإسلام، کما یظهر التخوف من فکرة الجامعة الإٍسلامیة. وقامت المنار بالرد علیه فی مقال لها فی الشهر التالی. إلا أن الحافز الرئیسی لها على ما یبدو کان لفت أنظار المسلمین إلى رأی أوروبا عنهم، وبالتالی إلى أهمیة الوحدة.لکن المقال الأول الذی نشر فی 19/6/1900م ([57])، کان یعر ض وجهة نظر أدیب مصری مسیحی فی الجدل الدائر حول مقال هانوتو مبدیًا أسفه من إدخال النصرانیین کعنصر فی الصراع الدائر حول الانتماء، والمنار ترد على ذلک بأنها لم تشترک فی الجدال لنفس الأسباب. وفی أواخر العقد الأول وبدایات العقد الثانی من القرن،زاد سوء الظن وفقدان الثقة بین المسلمین والأقباط([58]) ومرت سنتان من إشعال الفتن بواسطة صحف، مثل الوطن. تلا ذلک مباشرة لجوء القبط للصحف الأجنبیة وللإنجلیز لحمایتهم. ثم عقد المؤتمر القبطی 1911م، ووضع وثیقة بمطالبه. تلا ذلک عقد المؤتمر المصری فی نفس العام إشارة إلى الوحدة الوطنیة التی تبلورت فی النهایة فی ثورة 1919م. وظلت مسألة الوحدة الوطنیة ــ أو «الفتنة الطائفیة» کانعکاس للأزمات السیاسیة التی یعانی منها النظام السیاسی ــ تثیر الجدال والحوار حول النظرة لغیر المسلمین فی المجتمع، والمواطنة وما یستوجب ذلک من مساواة تامة فی الحقوق والواجبات، ودور الأقباط فی الحیاة السیاسیة ([59]).
وأتت أواخر السبعینیات بجدل آخر حول عروبة مصر، عندما أطلق توفیق الحکیم دعوته فی الأهرام إلى حیاد مصر فی 3 مارس 1978م([60])، وأثار بدعوته تلک حوارًا على الساحة الفکریة المصریة وغیرها من الأقطار العربیة. واشترک فی الحوار عدد کبیر من المفکرین والکتّاب والعلماء والباحثین والصحفیین، واستمرت المساجلة بین أخذ ورد ومقال وکتاب وبحث ودراسة قرابة الشهرین ونصف الشهر، یشرح فیها توفیق الحکیم وجهه نظره عن حیاد مصر الذی یفرضه واقعها الجغرافی لامتلاکها قناة السویس، وواقعها الحضاری السیاحی. وواجه الحکیم فی وجهه نظره هذه آراء عدة، فبینهم من یوافق على اقتراحه لکنه یرجئه إلى ما بعد جلاء إسرائیل وتحقیق السلام، أمثال محمد أحمد فرغلی([61])، إلا أن الأکثریة عارضت الحکیم فی دعوته بنبرة قاطعة، کما عبر عن ذلک د.وحید رأفت فی «الحیاد المرفوض» ([62])، وردّ علیه الحکیم، «الحیاد المطلوب» ([63])، ثم یعاود وحید رأفت ([64]) الرد بأنه إذا کان حیاد مصر دائمًا فهو مرفوض، أما إن کان حیادًا واقعیًا یعنی فقط الدعوة إلى انتهاج سیاسة أکثر اعتدالًا وتحررًا فی علاقات مصر الخارجیة والتزاماتها العسکریة فهو ما یقر علیه الحکیم من حیث المبدأ، فلا ینبغی التضحیة بمصالح الوطن من أجل أیة قضیة أخرى، ولا تأجیل تحریر أراضیه لضمان تحریر أرض أخرى لأشقاء عرب یوجهون إلینا الشتائم واللعنات صباح مساء. ویرفض د. إبراهیم علی صالح([65]) دعوة الحکیم رفضًا قاطعًا ویرى الحیاد الذی یدعو إلیه مسخًا لدور مصر ودعوة إلى الوراء والتآکل والانقضاء. ویرى د.میلاد حنا ([66]) أن المستهدف من وراء الدعوة الحکیم عزل مصر ولیس حیادها.وتتساءل د. بنت الشاطئ ([67]) عن جواز أن تکون شخصیة مصر موضع نظر ثم بعد عدد من المساجلات ([68])، یقول توفیق الحکیم «کلمة أخیرة..لا أخرى: هذا هو معنى الحیاد الذی أطالب به» ([69])،وهو أن یکون حیادًا محض سیاسی وعسکری فی ظرف خاص بالذات وهو: هل إذا تقررت حرب تزلّ مصر لتحارب العرب؟ وهل إذا تقرر سلام یلاحظ فی هذا السلام مصلحة مصر؟
ویتزامن مع هذا الحوار، حوار آخر فجره د.لویس عوض بمقاله الشهیر. «الأساطیر السیاسیة» ([70])، والذی وصف فیها عروبة مصر بأنها أسطورة عرقیة. وتکررت الاتجاهات السابقة إلا أنه غلبت علیها المعارضة، فیظهر رجاء النقاش فی مقال «القومیة العربیة والنازیة» ([71]) خطأ عدم التفرقة بین العروبة والإسلام، وکذا یعترض د. سعد الدین إبراهیم([72]) على عدم التفرقة بین الأساطیر والتاریخ الحقیقی الذی یربط مصر بالعروبة رابطة وثیقة، ویشارکه فی الرأی أحمد بهاء الدین الذی یتساءل «أی مصر یریدون؟ مصر لا معنى لها أم مصر بمعناها التاریخی؟» ([73]) وحریّ بالذکر هنا،أن رجاء النقاش أصدر کتابًا بعنوان الانعزالیون فی مصر: رد على توفیق الحکیم ولویس عوض وآخرین ([74]) ، والذی یضم مجموعة من المقالات التی تشکل ردًا على الحملة التی أثیرت ضد «عروبة مصر» وضد «القومیة العربیة».
ومن الواضح إنه مع تبدد حلم العروبة مع وفاة داعیها وراعیها الرئیس جمال عبد الناصر، عادت أزمة الانتماء السیاسی التی لم تکن واردة البتة فی عهد عبدالناصر، حیث عاش الناس، کل الناس، حلمًا غالیًا بالقومیة العربیة لم یتحقق لا فی ظل صاحبه، ولا من بعده.إلا أن هذا لا ینفی وجود أزمة الانتماء السیاسی منذ الخمسینیات على مستویات أخرى بدلیل تشکل حرکات وتجمعات مثل الإخوان المسلمین والشیوعیین کان من أهم أسباب نشأتهم وجود تخبط عاشته الأمة فی انتمائها السیاسی والقومی.
حوارات حول الدین الإسلامی:
فتحت الحرکة الإصلاحیة التی کان من أبرز زعاماتها الإمام محمد عبده أبواب الحوار والجدل حول النظرة إلى الدین وسبل فهمه على ضوء مقتضیات العصر الحدیث ودور العقل فی فهم النصوص. وأحدثت الکثیر من الفتاوى التی أصدرها ردو فعل کبیرة بین أوساط علماء الدین والعلمانیین.ومن تلک الفتاوى والآراء الشهیرة، فتوى جواز التعاون مع الکفار وأهل البدع والأهواء فی ظروف کانت الغلبة لهم وکانوا محتلین للبلاد، جواز لبس البرنیطة، وإباحة استعمال الصور والتماثیل، وإباحة الفائدة المکتسبة من صنادیق التوفیر، ورأیه حیال تقیید الطلاق والتعدد([75])، واختلفت مواقف المفکرین من هذا المنهج فبین من ارتأى أخذ المنحى العقلی فی فکر الإمام إلى منتهاه وترجیح العقل على النص، ومن رأى خطورة هذا المنحى المخل بالتوازن بین العقل والنص.
ــ حوارات الدین والتدین: وأساس هذه القضیة، شیوع ضعف الأیمان بالغیب والتشکیک فی کل ما یخرج عن دائرة المحسوس، والدعوة إلى التحرر من تعالیم الأدیان المختلفة، بل وصل ذلک إلى حد روایة القصص الدینیة على أنها أساطیر خیالیة.ومما کان محل جدل کبیر فی هذا السیاق، کتاب فی الشعر الجاهلی للدکتور طه حسین، الذی ألقاه على طلبة السنة الأولى فی کلیة الآداب عام 1925م (صدر الکتاب فی 1926م) ([76])، وهو ما أثار غضب الناس إلى حد مطالبتهم بإخراجه من وزارة المعارف واستجواب المجلس النیابی له. حتى أنه تولد عن هذه المعرکة سبعة کتب، ستة منها فی الرد على الکتاب ونقده،وهی: المعرکة بین القدیم والجدید أو تحت رایة القرآن للرافعی، نقد کتاب الشعر الجاهلی لمحمد فرید وجدی، نقض کتاب فی الشعر الجاهلی لمحمد الخضر حسین، والنقد التحلیلی لکتاب فی الأدب الجاهلی لمحمد أحمد الغمراوی، والشهاب الراصد لمحمد لطفی جمعة، ومحاضرات فی بیان الأخطاء العلمیة التاریخیة التی اشتمل علیها کتاب فی الشعر الجاهلی للشیخ محمد الخضری والکتاب السابع فی الرد على مزاعم أخرى هدامة للمؤلف وهو نقض مطاعن فی القرآن الکریم لمحمدأحمد عرفة([77]).
ــ قواعد الإسلام: رأی البعض أن دعوة الشیخ محمد عبده وتلامذته إلى ملائمة فهم الدین مع متطلبات العصر الحدیث قد فتحت الباب على مصراعیه للحوار والجدل بین أطراف التیار الإسلامی فیما عرف بالمجددین والمحافظین. وبدأت هذه الدعوة تتخذ مظهرًا عملیًا باقتراح تعدیل قانون الأحوال الشخصیة، تجدید الإسلام فی ترکیا، ترجمة القرآن والنقاش حول خطر هذه الترجمة فی إمکانیة التلاعب بالمرادفات والمعانی لتحریف دلالات القرآن الکریم، ومن المظاهر العملیة ظاهرة الرد على المبشرین والمستشرقین لکشف تصیدهم لأخطاء وهمیة فی الإسلام وإظهار کذبهم ومغالطتهم([78]).
أما ما عرف بالدعوات الهدامة للدین والقواعد الإسلامیة، فکانت تلبس ثوبًا أکثر جاذبیة تجعلها أکثر رواجًا، وهی دعوات «العالمیة» التی اتخذت من الرحمة والإنسانیة ستاراً لها.وجاءت على أکثر من لون فتارة الروحیة، وتارة التوفیق بین المسیحیة والإسلام، وتارة ثالثة الماسونیة، وأخرى البلشفیة، وغیرها وکان من الطبیعی أن تظهر عدة محاولات لمقاومة هذه الدعوات،قام بها الکثیرون فی مقدمتهم جمعیة الشبان المسلمین،ومجلة نور الإسلام. هذا وقد اتخذ الکتّاب والشعراء فی دفاعهم عن الإسلام أمام هذه الدعوات أحد طریقین: الأول اعتمد على منطق الفکر الغربی وأسلوبه معجبًا به ومستخدمًا له، لتفنید حجج المهاجمین للإسلام والمشککین فی الأدیان، بینما قام الآخر على رفض الأسلوب الغربی کلیةً ودعا إلى تخلیص الفکر الإسلامی من براثنه. وکان الشیخ طنطاوی جوهری ــ تلمیذ الشیخ محمد عبده ــ مثالا للفریق الأول، بینما کان الشیخ مصطفى صبری مثلا للفریق الثانی ([79]).
ــ الأخلاق: وهی قضیة ثارت مع اعتقاد راسخ بمکیدة أعدها الغرب لهدم الأخلاق والقیم تحت تسمیات عدة،منها: الفن، تقالید المجتمع الراقی، التربیة النفسیة الحدیثة، وغیرها من آثار الحضارة الغربیة فی زلزلة قواعد المجتمع وإفشاء الفساد الحسی (المخدرات مثلا) والمعنوی أیضًا. وراج ذلک رواجا کبیرًا لم تعرفه الأمة قبل الحرب العالمیة الأولى وتحدثت عنها الصحف والمجلات بکل أنواعها أمثال الهلال التی عرضت لمذاهب استحدثها «مرضى النفوس والهدامون» من الغربیین فی صور جذابة تستهوی الشباب، وانتشر نوع من الأدب الهدام فی شکل القصص الرخیص. وفی المقابل، تنبیه بعض الکتاب الذین بدأوا حملات تحذیریة إلى ذلک، من أمثال،مقال محمد توفیق دیاب ([80]). فی «الأدب الماجن مفسدة للناشئین»، وکتاب الغمراوی فی الرد على طه حسین.
وفی باب، رد الشبهات عن الإسلام فی المنار بدءًا من عام 1902م ([81])، تردّ المنار على ادعاءات تثیرها الجرائد التی یقودها النصارى، وعلى رأسها مجلة الجامعة، حول الإسلام والعلم، ودور الإسلام فی نشر الثقافة وغیرها ([82])، وتنصب المنار من جدید نفسها للرد على عدة مطاعن وردت فی مجلة الشرق والغرب فی أول أبریل 1916م، حول أنه إذا ما ارتاب أحد فی السنّة فإنه ینتفی وجوب طاعة الشریعة، فأکثر الشریعة یتوقف على الأحادیث، وإذا ثبت الریب فی الأحادیث تزلزلت أرکان الشریعة ([83]) .وتنشر المنار أیضًا ملخصًا لمقال «الإٍسلام یرحب بالنصرانیة» الذی نشرته إحدى جرائد التبشیر الأمریکیة لصمویل زویمر، ویرد علیها المنار موضحًا کیف أن هذا الکاتب یبیّن أن الشرق والمسلمین عطشى للتنصیر ولکنهما فی حاجة إلى من یقودهم، والمنار ترى أن تلک خدعة لجلب التبرعات من الموسرین لأجل النشاط التبشیری ([84]) وفی المقابل، یغضب النصارى على المنار، خاصة بعد نشرها رسالة طاهر التنیر ([85]) من بیروت الذی رد فیها على دعاة النصرانیة الذین یطعنون فی الإسلام فی سوریا ویقویهم الدستور، لأن رسالته کان بها بعض ما یجرح النصارى، وردت المنار باعتذارها إذا کان ذلک ما حدث ولکنها لم تکن تعلم بقراءة النصارى للمنار، کما أن النصارى هم من بدأوا الاعتداء على الإسلام وهم لیسوا من الأجانب، بل إن ما یحزن أنهم من أبناء الوطن. ویزید أن تتقول جریدة مصر القبطیة ([86]) على المنار محاربة النصارى، بسبب عطف عزیز مصر على المنار مرددین فی ذلک تهمة تعصب المنار ضد الأقباط وهو ما نفته المنار.
وفی عام 1911م، نشرت المنار عددًا من المقالات ([87]) المتتالیة ردًا على ما رصدته المنار من اتجاه عام لدى القبط فی تلک الأعوام، ینحو نحو عدم الرضا بالوضع وادعاء الشعور بالاضطهاد، مطالبین إنجلترا بالتدخل لحمایتهم، وعقدهم للمؤتمر القبطی1916م، فی ذات الخصوص، وتهجمهم على الإسلام والمسلمین فی صحفهم، ونشرهم لمناظرات وهمیة بین المسلمین والنصارى یفوز فیها النصارى، وکل هذه مظاهر مختلقة رصدتها المنار وحاولت الرد علیها بسلسلة مقالات تحلیلیة للأسباب التی تکمن وراء تحرکات القبط، محللة مزاعمهم بالاضطهاد، وکذلک بنشر مناظرة حقیقیة بین عالم مسلم مشهور (هبة الدین) وصاحب مجلة العلم فی بغداد، وبالدعوة إلى مؤتمر إسلامی مصری للرد على مزاعم القبط وهو ما حدث بالفعل بعد ذلک.
وفی مطلع العشرینیات من القرن، ثارت عدد من المسائل دارت حولها حوارات بین المنار وبین المتفرنجین، من أهمها تزوج المسلم من کتابیة وعدم تزویج المسلمة لکتابی([88])، وکذا الدعوة إلى مدنیة القوانین وسعى المتفرنجین لنبذ بقیة الشریعة وهدم الدین وأصول الشریعة الحاکمة للقوانین کلها([89]).
وشهدت مسألة ترجمة القرآن جدالًا کبیرًا فی منتصف العشرینیات من القرن، والتی وقف فیها المنار([90]) موقف الرافض المتخوف من آثار ذلک على معانی القرآن، وبیان مفاسد الترجمة، وأقوال الفقهاء فیها، ومقاصد المتفرنجین من الدعوة إلى مثل تلک الترجمة، وأفتى رشید رضا بخطورة ترجمة القرآن، وذلک فی مقابل جرائد أخرى دافعت عن مسألة الترجمة تلک وأوردت فیها آراء تقضی بصحتها([91]).
التقریب بین المذاهب:لم تقتصر الحوارات حول الدین على المسلمین وغیرهم إن کانوا أقباطًا أو مستشرقین من الغرب،وإنما شملت أیضًا حوارات ومعارک وأخذ ورد ومناظرات حول نقاط خلافیة بین المسلمین أنفسهم، وبالتخصیص بین أنصار المذهبیة المنادین بضرورة اتباع أحد المذاهب الأربعة وإلزامیة ذلک على المسلم،وبین من رأى أن التعصب المذهبی یعتبر من البدع التی تهدد الشریعة الإسلامیة. وقد دافع عن الرأی الأول الشیخ محمد سعید رمضان البوطی وتلامذته، ودافع عن اللامذهبیة الشیخ ناصر الدین الألبانی وتلامذته([92]) . کما نتج عن محاولات التقریب بین السنة والشیعة العدید من المناظرات والحوارات بین علماء المذهبین. وصدرت المحاولات الأولى لتحقیق هذا الهدف من السید جمال الدین الأفغانی، الإمام محمد عبده ومحمد رشید رضا وعبد الرحمن الکواکبی. وفی أواخر الخمسینیات أسست «حرکة التقریب» بین المذهبین([93]).
الهوامش:
* - أستاذ فی قسم العلوم السیاسیة بالقاهرة.
[1] ـ د.عبدالوهاب المسیری ود.عزیز العظمة، العلمانیة تحت المجهر، سلسلة حوارات القرن الجدید، بیروت دار الفکر 2000. انظر أیضًا على سبیل المثال: طارق البشری، الحوار الإسلامی العلمانی، القاهرة:دار الشروق 1996،و«مصر بین الدول الدینیة والمدنیة»،مناظرة بمعرض القاهرة الدولی للکتاب، إدارة المناظرة د. سمیر سرحان 8/1/1992، الشیخ محمد الغزالی، مأمون الهضیبی، محمد عمارة، فرج فوده،محمد خلف الله.وعن الجدل حول انظر أیضًا، فرج فودة،حوار حول العلمانیة، القاهرة،دن، دت،فؤاد زکریا، الحقیقة والوهم فی الحرکة الإسلامیة المعاصرة، القاهرة: دار الفکر للدراسات والنشر والتوزیع،1986، وغالی شکری، أقنعة الإرهاب: البحث عن علمانیة جدیدة، القاهرة: الهیئة المصریة العامة للکتاب،1992، وفهمی هویدی، المفترون: خطاب التطرف العلمانی فی المیزان، القاهرة: دار الشروق، 1996، یوسف القرضاوی، الإسلام والعلمانیة وجها لوجه: رد على فؤاد زکریا وجماعة العلمانیین، تونس،الطباعة الحدیثة، 1995، ومحمد جلال کشک، قراءة فی فکر التبعیة: الرد على سلامة موسى وعلى عبدالرازق ونصر حامد أبو زید والعشماوی، القاهرة: مکتبة التراث الإسلامی، 1994 وحول أهم ما صدر عن العلمانیة، انظر محیی الدین عطیة، العالمانیة: ببلیوغرافیا منتقاة، إسلامیة المعرفة، سنة 2، عدد 5، یولیو 1996.
[2] ـ د.عبدالرازق عیدود. محمد عبدالجبار، الدیمقراطیة بین العلمانیة والإسلام، سلسلة حوارات لقرن جدید، بیروت: دار الفکر 1999 یشیر الدکتور عبدالرزاق الى حوارات أخرى قدیمة حول ذات المعنى بین محمد عبده وفرج انطون ص 55 – 48 فی نفس الحوار،انظر على سبیل المثال : د. فؤاد زکریا، العلمانیة ضرورة حضاریة، قضایا فکریة،الکتاب الثامن،اکتوبر 1989 د. حسن حنفی،الجذور التاریخیة لأزمة الحریة والدیمقراطیة فی وجداننا المعاصر،فی کتاب الدیمقراطیة وحقوق الإنسان، مرکز الدراسات الوحدة العربیة، ط 2، 1986، والبرت حورانی، الفکر العربی فی عصر النهضة (1798 – 19399، ترجمة کریم زغلول، بیروت دار النهار للنشر، 1977، وعلى عبدالرازق ، الإسلام وأصول الحکم، المؤسسة العربیة للدراسات والنشر، 1982،ووحید عبدالمجید، الدیمقراطیة فی الوطن العربی،مجلة المستقبل العربی،العدد 13، آب 1990، ود.محمد عبدالجبار، الدیمقراطیة ،صحیفة البدیل الإسلامی، 20 حزیران 1991، وعلى خلیفة الکواری،مفهوم الدیمقراطیة المعاصرة، مجلة المستقبل العربی، العدد 168 فبرایر 1992، والشیخ محمد مهدی شمس الدین، حوار حول العلمانیة والشورى والدیمقراطیة، منبر الحوار،العدد 34 ، 1994.
[3] ـ حول الحوار عن الربا والفائدة، انظر على سبیل المثال،سید قطب،تفسیر آیات الربا،دار الشرق: القاهرة، بیروت: 1983، تقریر مجلس الفکر الإسلامی الباکستانی : إلغاء الفائدة من الاقتصاد، مرکز أبحاث الاقتصاد الإسلامی، جامعة الملک عبدالعزیز، جده: ط 2، 1982،أبو الأعلى المودودی، الربا، مؤسسة الرسالة، بیروت: 1979، محمد نجاة الله صدیقی،لماذا المصارف الإسلامیة؟،ترجمة رفیق یونس الصمری،فی کتاب قراءات فی الاقتصاد الإسلامی،جامعة الملک عبدالعزیزی، جدة 1987،محمدعمر شابرا، نحو نظام نقدی عادل، ترجمة سید محمد سکرک، المعهد العالمی للفکر الإسلامی، واشنطن، ط 2، 1990، محمد الغزالی، الوسیط، تحقیق أحمد محمود إبراهیم ومحمد محمد تامر، القاهرة: دار السلام، 1997،طارق الجمعی، أفکار مارکسیة فی المیزان، الاتحاد الدولی للبنوک الإسلامیة 1980، د.رفعت سعید العوضی، منهج الادخار والاستثمار فی الاقتصاد الإسلامی، 1981، د. حسن العنانی، سبب تحریم الربا وعلاقته بوظیفة المال، مطابع الاتحادالدولی للبنوک الإسلامیة، عیسى عبده إبراهیم، الربا فی الإٍسلام وفی النظریات الاقتصادیة الحدیثة، الدار الکویتیة، الکویت: بیت التمویل الکویتی 1960. رفیق یونس المصری ود.محمد ریاض الأبرش، الربا والفائدة: دراسة اقتصادیة مقارنة، سلسلة حوارات لقرن جدید، بیروت: دار الفکر، 1999.
[4] ـ د. رضوان السید ود.عبدالإله بلقزیز، أزمة الفکر السیاسی العربی، سلسلة حوارات لقرن جدید، بیروت ، دار الفکر 200.
[5] ـ د. محمد سعید رمضان البوطی ود. طیب تیزینی، الإسلام والعصر: تحدیات وآفاق، سلسلة حوارات لقرن جدید، بیروت: دار الفکر، ط 2، 1999.
[6] ـ فی هذا الحوار، انظر على سبیل المثال: د. جمال عطیة، ود.وهبه الزحیلی، تجدید الفقه الإسلامی، سلسلة حوارات لقرن جدید، بیروت: دار الفکر 2000، إقبال برکة، قضایا إسلامیة: الاجتهاد،المعاصرة، الشرعیة. حوارات طویلة مع (13) مفکرًا وعالمًا إسلامیًا بدأتها على صفحات «صباح الخیر» منذ عام 1981، شارک فیها مصطفى محمود، أحمد حسن الباقوری، زکی نجیب محمود، عبدالرازق نوفل،طارق البشری، احمد کمل ابو المجد، فرج فودة،محمد سعید العشماوی وغیرهم، القاهرة: روز الیوسف، 1987، د.علی جمعة، قضیة تجدید أصول الفقه، دار الهدایة: القاهرة 1993، د.یوسف القرضاوی، الاجتهاد المعاصر بین الانضباط والانفراط، دار التوزیع والنشر الإسلامیة 1994،عبدالوهاب خلاف، مصادر التشریع الإٍسلامی فیما لا نص فیه، الکویت:دار القلم،ط3، 1972، الإمام الشاطبی، نظریة المقاصد عند الإمام الشاطبی، المعهد العالمی للفکر الإسلامی 1990، محمد مهدی شمس الدین،الاجتهاد فی الإسلام، مجلة الاجتهاد، العدد التاسع، السنة الثالثة 1990، طه عبدالرحمن، تجدید المنهج فی تقویم التراث ، المرکز الثقافی العربی،رباط ــ بیروت،ط2، د.ت، محمد عابد الجابری، بنیة العقل العربی، دراسة تحلیلیة نقدیة لنظم المعرفة فی الثقافة العربیة، مرکز دراسات الوحدة العربیة، بیروت،ط 3، 1990، د. احمد الریسونی ود.محمد جمال باروت، الاجتهاد (النص، الواقع، المصلحة)، سلسة حوارات لقرن جدید، بیروت: دار الفکر، 2000.
[7] ـ محمد محمد حسین،الاتجاهات الوطنیة، الجزء الأول، مرجع سابق، ص 18.
[8] ـ الإصلاح الإسلامی، المنار،8/4/1899،العدد 5، ص 65 – 72 السنة الثانیة.
[9] ـ الإصلاح الإسلامی بعدل القوام أو التکافل العام، المنار،العدد 1، السنة 2، 15/4/1899 ص 81 - 88.
[10] ـ رشید رضا،« «استنهاض همم»، المنار،عدد 1، السنة 2، 5/8/1899، ص 329 - 322.
[25] ـ من أمثلة ذلک،عبد الملک عودة،«الدیمقراطیة والاشتراکیة فی المیثاق الوطنی»، الأهرام 23/4/1962، «المتناقضات والعمل الدیمقراطیة فی الوحدة الوطنیة»، الأهرام 15/7/1962،طعیمة الجرف، «الدیمقراطیة بین الرأسمالیة والاشتراکیة»، الأهرام 2/8/1962،محمد أنیس، «الدیمقراطیة داخل التنظیم الشعبی وخارجة»، الأهرام 19/12/1962، لطفی الخولی، «کیف تکون الدیمقراطیة فی مجتمعنا المعاصر؟،الأهرام 29/12/62.
[26] ـ لطفی الخولی، «لماذا؟ وکیف؟ وإلى أین؟ ثورة الأیام الأربعة المجیدة (حول صدور القوانین الاشتراکیة)» الأهرام 30/7/1961،و«التقدمیة وقوانین الأیام الأربعة الجدیدة»،الأهرام 31/7/1961، عبدالرازق حسین،«کیف نقیم التوازن بین رئتی المجتمع» الأهرام 4/5/1961، «فی طریق المجتع الاشتراکی»، الأهرام 15/7/1961، «صحیفة أمریکیة تشید بالقرارات الاشتراکیة فی مصر»، الأهرام 30/7/1961،«التشریعات الثوریة الأخیرة لا تتعارض مع الدین»، الأهرام 30/7/1961، «الثورة الاجتماعیة ومسؤولیة الشعب (حول صدور القرارات الاشتراکیة الجدیدة)» الأهرام 30/7/1961.
[27] ـ لطفی الخولی، «الوجه الدیمقراطی والوجه الدیکتاتوری»، الأهرام 30/12/1962.
[28] ـ انظر فی ذلک مقالات: «وزیر الإعلام والحق فی تعطیل الصحف»، الأهرام 6/6/62، «الأسباب الحقیقیة لإغلاق الجریدتین فی دمشق»، الأهرام 10/10/62،«ضوء الحقیقة وسط الظلام فی سوریا»، الأهرام 11/10/62، «مذکرة من صلاح البیطار إلى القوس: حکومة دمشق فضحت نفسها بإغلاق الصحف الحرة»، الأهرام 27/10/62.
[29] ـ من المقالات التی عبرت عن أزمة الصحافة فی لبنان: «أزمة بین الصحافة والحکومة»،الأهرام 28/5/64، «البرلمان اللبنانی یقر تعطیل الصحف»، الأهرام 1/6/64، «استقالة نقیب الصحفیین احتجاجًا على تقید الصحافة»، الأهرام 3/3/64، «رأى الأهرام:حریة الصحافة فی لبنان»، الأهرام 3/6/64، «رأی الأهرام: تناقض غریب (حول إغلاق الصحف فی لبنان)»، الأهرام 22/6/64، جمال العطیفی «دور الصحافة فی البناء الاشتراکی للمجتمع» الأهرام 17/4/64،«رأی الأهرام: الصحافة والنقد» الأهرام 11/6/64، «محمد الخفیف، الصحافة وحق النقد»، الأهرام 28/6/64، «دور الصحافة فی خدمة المجتمع المتکامل»،الأهرام 11/7/64، عبدالقادر القط،«الدائر المغلقة فی الصحافة ومشکلة النقد المریض»،الأهرام 14/7/64.
[30] ـ حول حوارات الدستور والمیثاق الوطنی انظر، لطفی الخولی، «أضواء على معرکة الدستور بالمغرب»، الأهرام 8/12/64، أحمد فتحی بیهم،«حاجتنا إلى محکمة دستوریة علیا لضمان تطبیق المیثاق»، الأهرام 7/6/64،لویس عوض، «تأملات فی المیثاق»،ملحق الأهرام 8/6/64، الأهرام 9/6/64، «رأی الأهرام:المناقشة الشعبیة لمشروع المیثاق»، سعید خیال،«آراء فی المیثاق (حول نظام العمد وأهمیة إلغائه) ، الأهرام 9/6/64، لطفی الخولی، الواقع الذی نبت فیه المیثاق. الأهرام 11/6/64، و«تحقیق : مناقشات مشروع المیثاق الوطنی فی کل مکان»، الأهرام 13/6/64.
[31] ـ محمد محمد حسین، الاتجاهات الوطنیة، ج 1، مرجع سابق، ص 62 0 66.
[83] ـ السنة وصحتها والشریعة مناقبها: رد على دعاة النصرانیة بمصر،المنار،م 19، ج 1، ص 25 – 50، 1916.
[84] ـ أمانی المبشرین أو محاولتهم للموسرین، المنار، م 22، ج 4، 1919، ص 313 - 314.
[85] ـ نقد عبارة فی المنار والمناظرات بین دعاة النصرانیة وعلماء الإسلام، المنار، م 17، ج 3، 1914، ص 188 - 192.
[86] ـ محاربة متعصبی القبط وغیرهم للمنار، 17، ج 6، 1914، ص 78 - 48.
[87] ـ المسلمون والقبط،المنار،م 14، ج 3، ص 8 – 114، والمؤتمران المصریان القبطی والإسلامی، المنار م 14، ج2، ص 59 – 116، والمسلمون والقبط (النبذة السادسة)، المنار م 14، ج 3، ص 273 – 295، ومناظرة عالم مسلم (الدعاة البروتستانت فی بغداد والمؤتمر المصری)، المنار،م 14، ج 1، ص 14 - 922 .
[88] ـ مسألة الزواج من الکتابیة وعدم تزویج الکتابی، المنار م 23، ج 6، ص 37 - 240.
[89] ـ مدینة القوانین وسعى المتفرنجین لنبذ بقیة الشریعة وهدم الدین،المنار م 23، ج 7، ص 39 - 548.
[90] ـ منشأة فکرة لترجمة القرآن وسببها، المنار، م 26، ج 1، 1923، ص 81 - 496.
[91] ـ تابع بحث ترجمة القرآن، المنار، م 26، ج 8، ص 60 - 584.
[92] ـ انظر على سبیل المثال، محمد سعید رضمان البوطی، اللامذهبیة أخطر بدعة تهدد الشریعة الإسلامیة، دمشق: مکتبة الفارابی، 1970، ومحمد عید عباسی، المذهبیة هی البدعة، دمشق: دار الوعی العربی، 1970.
[93] ـ فی تفاصیل المناظرات بین السنة والشیعة انظر: فی تفاصیل المشادات بین السنة والشریعة انظر، المنار، م 28، ج 5، مسألة القبور والمشاهد عند الشیعة: مناظرة بین عالم شیعی وعالم سنی، المنار، م 28، ج 6، 1925، والرد على مسألة العالم الشیعی للأستاذ الشیخ، النمر،عبدالقادر الهلالی، م 28، ج 7، ص 16 – 533، ج 8، ص 24 – 432، مصطفى نور الدین،باب المراسلة والمناظرة والانتقاد (لزیادة القبور للترک)، المنار م 28، ج 8، ص 25 – 929، دعایة الرفض والخرافات والتفریق بین المسلمین الشیخ محسن الأمینی، المنار، م 29، ج 6، 1926، ص 24 24- 432،السنة والشیعة أو الوهابیة والرافضة، المنار، م 29، ج 7، ص 31. 538، المنار، م 29، ج 8، ص 595 – 604، أعداء رافضة العلویین للمنار والارشاد، المنار، م 29، ج 8، ص 604 – 607، عبدالحسین شرف الدین (عالم شیعی یطلب المناظرة)، المنار، م 31، ج 2، الرسالة الأولى للعلاقة السید عبدالحسین شرف الدین، المنار،م 32، ج 2، المناظرة بین أهل السنة والشیعة،المنار،م 32، ج 2، ص 45 – 160، السنة والشیعة والاتفاق بینهما والوسیلة إلیه، ورأینا، المنار،م 32، ج 3، ورأى علامة الشیعة فیه، المنار، ص 32 – 238 وانظر أیضًا، عزالدین إبراهیم، «السنة والشیعة ضجة مفتعلة» مجلة العلوم الإسلامیة،دیسمبر 1982، والشیخ محمود شلتوت، «مقدمة قصة التقریب»، المنتقى، ع 3، عمر التلمسانی،«التقریب بین الشیعة والسنة واجب الفقهاء الآن». المختار الإسلامی،ع 37، سنة 7 ، 9 – 10/1985، والسید محمد حسین فضل الله،نحو مفهوم للمذاهب کوسائل لفهم الإسلام والوحدة الإسلامیة»، مجلة التوحید، ع 7، ربیع الأول ــ ربیع الثانی 1404هـ.