لقد بذل العقل الإسلامی جهودًا مقدَّرة فی بناء حضارة مشهودة قامت على استثمار البیئة علمًا بقوانینها، وانتفاعًا بخیراتها، کما بذل جهودًا مقدَّرة کی یتمّ ذلک الاستثمار للطبیعة فی نطاق الرفق بها والمحافظة علیها، وکان له فی کلّ من هذا وذاک إسهام ثری فی بناء هذه الحضارة فی وجهها المادّی، کما قد کان له إسهام ثری أیضًا فی ذلک البناء من حیث مشهده الروحی، إذ جعل تلک الحضارة موصولة بالله تعالى على سبیل الاستخلاف، فکانت حضارة منطبعة فی کلّ مناحیها بطابع الالتزام الدینی، کما کان له إسهام ثری فی ذلک البناء من جهة مشهده الإنسانی الاجتماعی، فشید حضارة قائمة على مبدأ الشهادة على الناس، شهادة تبلیغ لما فیه الخیر المعنوی والمادی لکلّ بنی الإنسان، وإقامة للعلاقة فیما بینهم على أساس العدل والنصرة والتحریر.